وَمَنْ لَمْ يُصَحِّحْهُ رَأَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ، لَكِنْ لَيْسَ هُوَ مِنَ الْمُخَلَّدِينَ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِكَايَةً عَنْ رَبِّهِ: «أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ» . وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الشُّهَدَاءِ الْمَقْتُولِينَ فِي الْمَعْرَكَةِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ الْمَقْتُولِ فِي الْمَعْرَكَةِ وَلَا يُغَسَّلُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُصَلَّى عَلَيْهِ ويُغَسَّلُ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمُ: اخْتِلَافُ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِشُهَدَاءَ أُحُدٍ فَدُفِنُوا بِثِيَابِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا» . وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُسْنَدًا: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ وَعَلَى حَمْزَةَ وَلَمْ يُغَسلْ وَلَمْ يُيَممْ» . وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا مُرْسَلًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَيْضًا أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَهُ سَهْمٌ فَوَقَعَ فِي حَلْقِهِ فَمَاتَ، فَصَلَّى عليه النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: «إِنَّ هَذَا عَبْدٌ خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْهِ» وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ يُرَجِّحُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي أَخَذَ بِهَا، وَكَانَتِ الشَّافِعِيَّةُ تَعْتَلُّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا وَتَقُولُ: يَرْوِيهِ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ وَكَانَ قَدِ اخْتَلَّ آخِرَ عُمُرِهِ، وَقَدْ كَانَ شُعْبَةُ يَطْعَنُ فِيهِ. وَأَمَّا الْمَرَاسِيلُ فَلَيْسَتْ عِنْدَهُمْ بِحُجَّةٍ.
وَاخْتَلَفُوا مَتَى يُصَلَّى عَلَى الطِّفْلِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلَّى عَلَى الطِّفْلِ حَتَّى يَسْتَهِلَّ صَارِخًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ; وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُصَلَّى عَلَيْهِ إِذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ: مُعَارَضَةُ الْمُطْلَقِ لِلْمُقَيَّدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «الطِّفْلُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute