للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَأَمَّا اعْتِبَارُ حَوْلِ رِبْحِ الْمَالِ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

فَرَأَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ حَوْلَهُ يُعْتَبَرُ مِنْ يَوْمِ اسْتُفِيدَ، سَوَاءٌ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ أَنْ لَا يُعَرِّضَ لِأَرْبَاحِ التِّجَارَةِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ.

وَقَالَ مَالِكٌ: حَوْلُ الرِّبْحِ هُوَ حَوْلُ الْأَصْلِ ; أَيْ إِذَا كَمُلَ لِلْأُصُولِ حَوْلٌ زَكَّى الرِّبْحَ مَعَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ إِذَا بَلَغَ الْأَصْلَ مَعَ رِبْحِهِ نِصَابًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَّا أَصْحَابُهُ.

وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ الْحَائِلُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ نِصَابًا أَوْ لَا يَكُونُ فَقَالُوا: إِنْ كَانَ نِصَابًا زَكَّى الرِّبْحَ مَعَ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُ نِصَابًا لَمْ يُزَكِّ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: تَرَدُّدُ الرِّبْحِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ أَوْ حُكْمَ الْأَصْلِ، فَمَنْ شَبَّهَهُ بِالْمَالِ الْمُسْتَفَادِ ابْتِدَاءً قَالَ: يُسْتَقْبَلُ بِهِ الْحَوْلُ، وَمَنْ شَبَّهَهُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ قَالَ: حُكْمُهُ حُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ، إِلَّا أَنَّ مِنْ شُرُوطِ هَذَا التَّشْبِيهِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ قَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا كَانَ نِصَابًا، وَلِذَلِكَ يَضْعُفُ قِيَاسُ الرِّبْحِ عَلَى الْأَصْلِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ هُوَ تَشْبِيهُ رِبْحِ الْمَالِ بِنَسْلِ الْغَنَمِ، لَكِنَّ نَسْلَ الْغَنَمِ مُخْتَلَفٌ أَيْضًا فِيهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ حَوْلُ الْفَوَائِدِ، فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَالَ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، وَاسْتُفِيدَ إِلَيْهِ مَالٌ مِنْ غَيْرِ رِبْحِهِ يَكْمُلُ مِنْ مَجْمُوعِهِمَ نِصَابٌ، أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الْحَوْلَ مِنْ يَوْمِ كَمُلَ.

وَاخْتَلَفُوا إِذَا اسْتَفَادَ مَالًا وَعِنْدَهُ نِصَابُ مَالٍ آخَرَ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، فَقَالَ مَالِكٌ: يُزَكِّي الْمُسْتَفَادَ إِنْ كَانَ نِصَابًا لِحَوْلِهِ، وَلَا يُضَمُّ إِلَى الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ فِي الْفَوَائِدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ: الْفَوَائِدُ كُلُّهَا تُزَكَّى بِحَوْلِ الْأَصْلِ إِذَا كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا، وَكَذَلِكَ الرِّبْحُ عِنْدَهُمْ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَالِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ؟ أَمْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَالٍ لَمْ يَرِدْ عَلَى مَالٍ آخَرَ؟ فَمَنْ قَالَ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَالٍ لَمْ يَرِدْ عَلَى مَالٍ آخَرَ - أَعْنِي مَالًا فِيهِ زَكَاةٌ - قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي الْفَوَائِد، وَمَنْ جَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ الْوَارِدِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ مَالٌ وَاحِدٌ قَالَ: إِذَا كَانَ الْوَارِدُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِكَوْنِهِ نِصَابًا اعْتَبَرَ حَوْلَهُ بِحَوْلِ الْمَالِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>