وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمُ: اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مَنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مَنْ تَمْرٍ» . فَمَنْ فَهِمَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ التَّخْيِيرَ قَالَ: أَيًّا أَخْرَجَ مِنْ هَذَا أَجْزَأَ عَنْهُ، وَمَنْ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمُخْرَجِ لَيْسَ سَبَبُهُ الْإِبَاحَةَ، وَإِنَّمَا سَبَبُهُ اعْتِبَارُ قُوتِ الْمُخْرِجِ أَوْ قُوتُ غَالِبِ الْبَلَدِ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي.
وَأَمَّا كَمْ يَجِبُ؟ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ أَقَلُّ مِنْ صَاعٍ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ مَا يُؤَدَّى مِنَ الْقَمْحِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِئُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ صَاعٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: يُجْزِئُ مِنَ الْبُرِّ نِصْفُ صَاعٍ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: تَعَارُضُ الْآثَارِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مَنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مَنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» . وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالطَّعَامِ الْقَمْحَ.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ بُرٍّ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَتْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» .
فَمَنْ أَخَذَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالَ: نِصْفُ صَاعٍ مِنَ الْبُرِّ، وَمَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَقَاسَ الْبُرَّ فِي ذَلِكَ عَلَى الشَّعِيرِ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْوُجُوبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute