للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأَسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» .

وَاخْتَلَفُوا إِذَا خَرَجَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مَتَى يَنْقَطِعُ اعْتِكَافُهُ: فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْتَقِضُ اعْتِكَافُهُ عِنْدَ أَوَّلِ خُرُوجِهِ وَبَعْضُهُمْ رَخَّصَ فِي السَّاعَةِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الْيَوْمِ.

وَاخْتَلَفُوا هَلْ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتًا غَيْرَ بَيْتِ مَسْجِدِهِ؟ فَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَهُمُ الْأَكْثَرُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ اعْتِكَافَهُ.

وَأَجَازَ مَالِكٌ لَهُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، وَأَنْ يَلِيَ عَقْدَ النِّكَاحِ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ إِلَّا الِاجْتِهَادُ، وَتَشْبِيهُ مَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَيْهِ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ.

وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَشْتَرِطَ شُهُودَ جَنَازَةٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ شَرْطَهُ لَا يَنْفَعُهُ، وَأَنَّهُ إِنْ فَعَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْفَعُهُ شَرْطُهُ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: تَشْبِيهُهُمُ الِاعْتِكَافَ بِالْحَجِّ فِي أَنَّ كِلَيْهِمَا عِبَادَةٌ مَانِعَةٌ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَالِاشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ إِنَّمَا صَارَ إِلَيْهِ مَنْ رَآهُ لِحَدِيثِ ضُبَاعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَهِلِّي بِالْحَجِّ وَاشْتَرِطِي أَنْ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» . لَكِنَّ هَذَا الْأَصْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْحَجِّ، فَالْقِيَاسُ فِيهِ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْخَصْمِ الْمُخَالِفِ.

وَاخْتَلَفُوا إِذَا اشْتَرَطَ التَّتَابُعَ فِي النَّذْرِ، أَوْ كَانَ التَّتَابُعُ لَازِمًا: فَمُطْلَقُ النَّذْرِ عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ مَا هِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي إِذَا قَطَعَتِ الِاعْتِكَافَ أَوْجَبَتِ الِاسْتِئْنَافَ أَوِ الْبِنَاءَ مِثْلُ الْمَرَضِ؟ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِذَا قَطَعَ الْمَرَضُ الِاعْتِكَافَ بَنَى الْمُعْتَكِفُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَسْتَأْنِفُ الِاعْتِكَافَ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ. وَلَا خِلَافَ فِيمَا أَحْسَبُهُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْحَائِضَ تَبْنِي.

وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ أَمْ لَيْسَ يَخْرُجُ؟ .

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا إِذَا جُنَّ الْمُعْتَكِفُ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ هَلْ يَبْنِي أَوْ لَيْسَ يَبْنِي بَلْ يَسْتَقْبِلُ؟ .

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ شَيْءٌ مَحْدُودٌ مِنْ قِبَلِ السَّمْعِ، فَيَقَعُ التَّنَازُعُ مِنْ قِبَلِ تَشْبِيهِهِمْ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ بِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ - أَعْنِي: بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ، أَوْ فِي الْعِبَادَاتِ الَّتِي مِنْ شَرْطِهَا التَّتَابُعَ مِثْلِ صَوْمِ النَّهَارِ وَغَيْرِهِ -.

وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ اعْتِكَافَ الْمُتَطَوَّعَ إِذَا قُطِعَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ ; لِمَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ

<<  <  ج: ص:  >  >>