للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ عَلَى مَا يُبَلِّغُهُ مِنَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، فَإِنْ نَقَصَ مَا أَخَذَهُ عَنِ الْبَلَاغِ وَفَّاهُ مَا يُبَلِّغُهُ، وَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ شَيْءٌ رَدَّهُ.

وَالثَّانِي: عَلَى سُنَّةِ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ نَقَصَ شَيْءٌ وَفَّاهُ مِنْ عِنْدِهِ وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلَهُ.

وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ حَتَّى يُعْتَقَ، وَأَوْجَبَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ.

فَهَذِهِ مَعْرِفَةُ عَلَى مَنْ تَجِبُ هَذِهِ الْفَرِيضَةُ وَمِمَّنْ تَقَعُ.

وَأَمَّا مَتَى تَجِبُ؟ : فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ عَلَى التَّرَاخِي؟ وَالْقَوْلَانِ مُتَأَوَّلَانِ عَلَى مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَالظَّاهِرُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي وَبِالْقَوْلِ إِنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ قَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ عَلَى التَّوْسِعَةِ.

وَعُمْدَةُ مَنْ قَالَ: عَلَى التَّوْسِعَةِ أَنَّ الْحَجَّ فَرْضٌ قَبْلَ حَجِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسِنِينَ، فَلَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ لَبَيَّنَهُ.

وَحُجَّةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُخْتَصًّا بِوَقْتٍ كَانَ الْأَصْلُ تَأْثِيمَ تَارِكِهِ حَتَّى يَذْهَبَ الْوَقْتُ، أَصْلُهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَالْفَرْقُ عِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّانِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ وُجُوبُهُ بِتَكْرَارِ الْوَقْتِ، وَالصَّلَاةُ يَتَكَرَّرُ وُجُوبُهَا بِتَكْرَارِ الْوَقْتِ.

وَبِالْجُمْلَةِ: فَمَنْ شَبَّهَ أَوَّلَ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ الْحَجِّ الطَّارِئَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْمُسْتَطِيعِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ: هُوَ عَلَى التَّرَاخِي، وَمَنْ شَبَّهَهُ بِآخِرِ الْوَقْتِ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ: عَلَى الْفَوْرِ، وَوَجْهُ شَبَهِهِ بِآخِرِ الْوَقْتِ أَنَّهُ يَنْقَضِي بِدُخُولِ وَقْتٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ فِعْلُهُ كَمَا يَنْقَضِي وَقْتُ الصَّلَاةِ بِدُخُولِ وَقْتٍ لَيْسَ يَكُونُ فِيهِ الْمُصَلِّي مُؤَدِّيًا، وَيَحْتَجُّ هَؤُلَاءِ بِالْغَرَرِ الَّذِي يَلْحَقُ الْمُكَلَّفُ بِتَأْخِيرِهِ إِلَى عَامٍ آخَرَ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ إِمْكَانِ وُقُوعِ الْمَوْتِ فِي مُدَّةٍ مِنْ عَامٍ، وَيَرَوْنَ أَنَّهُ بِخِلَافِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إِلَى آخِرِهِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ أَحَدٌ فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ الزَّمَانِ إِلَّا نَادِرًا، وَرُبَّمَا قَالُوا: إِنَّ التَّأْخِيرَ فِي الصَّلَاةِ يَكُونُ مَعَ مُصَاحَبَةِ الْوَقْتِ الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ، وَالتَّأْخِيرُ هَاهُنَا يَكُونُ مَعَ دُخُولِ وَقْتٍ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْعِبَادَةُ، فَهُوَ لَيْسَ يُشْبِهُهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، لَيْسَ يُؤَدِّي التَّرَاخِي فِيهِ إِلَى دُخُولِ وَقْتٍ لَا يَصِحُّ فِيهِ وُقُوعُ الْمَأْمُورِ فِيهِ كَمَا يُؤَدِّي التَّرَاخِي فِي الْحَجِّ إِذَا دَخَلَ وَقْتُهُ فَأَخَّرَهُ الْمُكَلَّفُ إِلَى قَابِلٍ، فَلَيْسَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ بَابِ اخْتِلَافِهِمْ فِي مُطْلَقِ الْأَمْرِ هَلْ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي؟ كَمَا قَدْ يُظَنُّ.

وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ هَلْ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا زَوْجٌ أَوْ ذُو

<<  <  ج: ص:  >  >>