للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي وَمَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ وَبِالْإِهْلَالِ» .

وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ تَلْبِيَةَ الْمَرْأَةَ فِيمَا حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ هُوَ أَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا بِالْقَوْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَرْفَعُ الْمُحْرِمُ صَوْتَهُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ، بَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ، إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ مِنًى فَإِنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِيهِمَا.

وَاسْتَحَبَّ الْجُمْهُورُ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الرِّفَاقِ، وَعِنْدَ الْإِطْلَالِ عَلَى شَرَفٍ مِنَ الْأَرْضِ. وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَبْلُغُونَ الرَّوْحَاءَ حَتَّى تُبَحَّ حُلُوقُهُمْ. وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى التَّلْبِيَةَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَيَرَى عَلَى تَارِكِهَا دَمًا، وَكَانَ غَيْرُهُ يَرَاهَا مِنْ أَرْكَانِهِ.

وَحُجَّةُ مَنْ رَآهَا وَاجِبَةً أَنَّ أَفْعَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَتَتْ بَيَانًا لِوَاجِبٍ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . وَبِهَذَا يَحْتَجُّ مَنْ أَوْجَبَ لَفْظَهُ فِيهَا فَقَطْ.

وَمَنْ لَمْ يَرَ وُجُوبَ لَفْظِهِ فَاعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - " فَذَكَرَ التَّلْبِيَةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: «وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ عَلَى ذَلِكَ: لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ، وَنَحْوَهُ مِنَ الْكَلَامِ، وَالنَّبِيُّ يَسْمَعُ وَلَا يَقُولُ شَيْئًا» . وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ فِي التَّلْبِيَةِ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَنْ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ.

وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْمُحْرِمِ بِالتَّلْبِيَةِ بِأَثَرِ صَلَاةٍ يُصَلِّيهَا، فَكَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّ ذَلِكَ بِأَثَرِ نَافِلَةٍ؛ لِمَا رُوِيَ مِنْ مُرْسَلِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَهَلَّ» .

وَاخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُجَّتِهِ مِنْ أَقْطَارِ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: مِنْ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>