للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَعْزِ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي بُرْدَةَ: «تُجْزِي عَنْكَ، وَلَا تُجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» .

وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَذَعِ مِنَ الضَّأْنِ، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ بِجَوَازِهِ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَا يُجْزِي فِي الْهَدَايَا إِلَّا الثَّنِيُّ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَغْلَى ثَمَنًا مِنَ الْهَدَايَا أَفْضَلُ. وَكَانَ الزُّبَيْرُ يَقُولُ لِبَنِيهِ: يَا بَنِيَّ، لَا يُهْدِيَنَّ أَحَدُكُمْ لِلَّهِ مِنَ الْهَدْيِ شَيْئًا يَسْتَحْيِي أَنْ يُهْدِيَهُ لِكَرِيمِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ وَأَحَقُّ مَنِ اخْتِيرَ لَهُ.

«وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فِي الرِّقَابِ، وَقَدْ قِيلَ لَهُ أَيُّهَا أَفْضَلُ فَقَالَ: " أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» . وَلَيْسَ فِي عَدَدِ الْهَدْيِ حَدٌّ مَعْلُومٌ، وَكَانَ هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةً.

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ سَوْقِ الْهَدْيِ فَهُوَ التَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ بِأَنَّهُ هَدْيٌ؛ «لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ» . وَإِذَا كَانَ الْهَدْيُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُقَلَّدُ نَعْلًا أَوْ نَعْلَيْنِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النِّعَالَ.

وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْلِيدِ الْغَنَمِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُقَلَّدُ الْغَنَمُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ: تُقَلَّدُ ; لِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى إِلَى الْبَيْتِ مَرَّةً غَنَمًا، فَقَلَّدَهُ» .

وَاسْتَحَبُّوا تَوْجِيهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ فِي حِينِ تَقْلِيدِهِ، وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْإِشْعَارَ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ؛ لِمَا رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَهْدَى هَدْيًا مِنَ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، قَلَّدَهُ قَبْلَ أَنْ يُشْعِرَهُ، وَذَلِكَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُوَجَّهٌ لِلْقِبْلَةِ. يُقَلِّدُهُ بِنَعْلَيْنِ، وَيُشْعِرُهُ مِنَ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يُسَاقُ مَعَهُ حَتَّى يُوقِفَ بِهِ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، ثُمَّ يَدْفَعُ بِهِ مَعَهُمْ إِذَا دَفَعُوا. وَإِذَا قَدِمَ مِنًى غَدَاةَ النَّحْرِ نَحَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ، وَكَانَ هُوَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ بِيَدِهِ يَصُفُّهُنَّ قِيَامًا، وَيُوَجِّهُهُنَّ لِلْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ.

وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ الْإِشْعَارَ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِبُدُنِهِ فَأَشْعَرَهَا مِنْ صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا، وَقَلَّدَهَا بِنَعْلَيْنِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>