وَأَرْبَعُونَ، لَا يُنْقَصُ الْفَقِيرُ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَلَا يُزَادُ الْغَنِيُّ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَالْوَسَطُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا. وَقَالَ أَحْمَدُ: دِينَارٌ أَوْ عَدْلُهُ مَعَافِرَ، لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، أَوْ عَدْلَهُ مَعَافِرَ» وَهِيَ ثِيَابٌ بِالْيَمَنِ.
وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، مَعَ ذَلِكَ أَرْزَاقُ الْمُسْلِمِينَ، وَضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ فَوَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ، وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَاثْنَيْ عَشَرَ.
فَمَنْ حَمَلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ وَتَمَسَّكَ فِي ذَلِكَ بِعُمُومِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ جِزْيَةٍ ; إِذْ لَيْسَ فِي تَوْقِيتِ ذَلِكَ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ ; وَإِنَّمَا وَرَدَ الْكِتَابُ فِي ذَلِكَ عَامًّا ; قَالَ: لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حَدِيثِ مُعَاذٍ ; وَالثَّابِتِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: أَقَلُّهُ مَحْدُودٌ، وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ.
وَمَنْ رَجَّحَ أَحَدَ حَدِيثَيْ عُمَرَ قَالَ: إِمَّا بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ، وَإِمَّا بِثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَاثْنَيْ عَشَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَمَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ مُعَاذٍ لِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ قَالَ: دِينَارٌ فَقَطْ، أَوْ عَدْلُهُ مَعَافِرَ، لَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ.
وأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: وَهِيَ مَتَى تَجِبُ الْجِزْيَةُ؟ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ، وَأَنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ إِذَا أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ مَا يَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ: هَلْ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ لِلْحَوْلِ الْمَاضِي بِأَسْرِهِ أَوْ لِمَا مَضَى مِنْهُ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: إِذَا أَسْلَمَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ كَانَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، أَوْ قَبْلَ انْقِضَائِهِ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ حُلُولِ الْحَوْلِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ.
وَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ، لِأَنَّ الْحَوْلَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهَا، فَإِذَا وُجِدَ الرَّافِعُ لَهَا - وَهُوَ الْإِسْلَامُ - قَبْلَ تَقَرُّرِ الْوُجُوبِ أَعْنِي: قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِ الْوُجُوبِ لَمْ تَجِبْ.
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ لِأَنَّهَا قَدْ وَجَبَتْ: فَمَنْ رَأَى أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ هَذَا الْوَاجِبَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَهْدِمُ كَثِيرًا مِنَ الْوَاجِبَاتِ قَالَ: تَسْقُطُ عَنْهُ ; وَإِنْ كَانَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ. وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامُ هَذَا الْوَاجِبَ كَمَا لَا يَهْدِمُ كَثِيرًا مِنَ الْحُقُوقِ الْمُتَرَتِّبَةِ مِثْلَ الدُّيُونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ: لَا تَسْقُطُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ.
فَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هُوَ: هَلِ الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ الْجِزْيَةَ الْوَاجِبَةَ أَوْ لَا يَهْدِمُهَا؟ .