للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: إِنَّمَا يَنْفَعُ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّيَّةِ بِغَيْرِ لَفْظٍ فِي حَرْفِ (إِلَّا) فَقَطْ (أَيْ: بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ إِلَّا) ، وَلَيْسَ يَنْفَعُ ذَلِكَ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْحُرُوفِ، وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ ضَعِيفَةٌ.

وَالسَّبَبُ فِي الِاخْتِلَافِ هُوَ: هَلْ تَلْزَمُ الْعُقُودُ اللَّازِمَةُ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ دُونَ اللَّفْظِ، أَوْ بِاللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ مَعًا، مِثْلَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْيَمِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ هَلْ تَنْفَعُ النِّيَّةُ الْحَادِثَةُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْيَمِينِ؟ فَقِيلَ أَيْضًا فِي الْمَذْهَبِ: إِنَّهَا تَنْفَعُ إِذَا حَدَثَتْ مُتَّصِلَةً بِالْيَمِينِ. وَقِيلَ: بَلْ إِذَا حَدَثَتْ قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ النُّطْقُ بِالْيَمِينِ. وَقِيلَ: بَلِ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عَدَدٍ، وَاسْتِثْنَاءٌ مِنْ عُمُومٍ بِتَخْصِيصٍ ; أَوْ مِنْ مُطْلَقٍ بِتَقْيِيدٍ. فَالِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْعَدَدِ لَا يَنْفَعُ فِيهِ إِلَّا حُدُوثُ النِّيَّةِ قَبْلَ النُّطْقِ بِالْيَمِينِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْعُمُومِ يَنْفَعُ فِيهِ حُدُوثُ النِّيَّةِ بَعْدَ الْيَمِينِ إِذَا وَصَلَ الِاسْتِثْنَاءُ نُطْقًا بِالْيَمِينِ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلِ الِاسْتِثْنَاءُ مَانِعٌ لِلْعَقْدِ أَوْ حَالٌّ لَهُ؟ فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مَانِعٌ فَلَا بُدَّ مِنَ اشْتِرَاطِ حُدُوثِ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الْيَمِينِ. وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ حَالٌّ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَنْكَرَ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنْ يُشْتَرَطَ حُدُوثُ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الْيَمِينِ لِلِاتِّفَاقِ، وَزَعَمَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ حَالٌّ لِلْيَمِينِ كَالْكَفَّارَةِ سَوَاءٌ.

الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: فِي تَعْرِيفِ الْأَيْمَانِ الَّتِي يُؤَثِّرُ فِيهَا الِاسْتِثْنَاءُ وَغَيْرِهَا.

وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي يُؤَثِّرُ فِيهَا اسْتِثْنَاءُ مَشِيئَةِ اللَّهِ مِنَ الَّتِي لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا. فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: لَا تُؤَثِّرُ الْمَشِيئَةُ إِلَّا فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي تُكَفَّرُ، وَهِيَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ عِنْدَهُمْ، أَوِ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا الطَّلَاقُ وَالْعِتَاقُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُعَلَّقَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ أَوِ الْعِتْقِ فَقَطْ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: هِيَ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ عَتِيقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ يَمِينًا. وَإِمَّا أَنْ يُعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِشَرْطٍ مِنَ الشُّرُوطِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ كَانَ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ إِنْ كَانَ كَذَا فَهُوَ عَتِيقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِيهِ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي (وَهُوَ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ) : فَفِي الْمَذْهَبِ فِيهِ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ إِذَا صُرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَى الشَّرْطِ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الطَّلَاقُ صَحَّ، وَإِنْ صَرَفَهُ إِلَى نَفْسِ الطَّلَاقِ لَمْ يَصِحَّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: الِاسْتِثْنَاءُ يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، سَوَاءٌ قَرَنَهُ بِالْقَوْلِ الَّذِي مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الشَّرْطِ، أَوْ بِالْقَوْلِ الَّذِي مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الْخَبَرِ.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ: مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هَلْ هُوَ حَالٌّ أَوْ مَانِعٌ؟

فَإِذَا قُلْنَا: مَانِعٌ ; وَقُرِنَ بِلَفْظِ مُجَرَّدِ الطَّلَاقِ ; فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهِ، إِذْ قَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ (أَعْنِي: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ: هِيَ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ إِنَّمَا يَقُومُ لِمَا لَمْ يَقَعْ، وَهُوَ الْمُسْتَقْبَلُ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>