وأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: وَهِيَ اشْتِرَاطُ الْعَدَدِ فِي الْمَسَاكِينِ) : فَإِنَّ مَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ قَالَا: لَا يُجْزِيهِ إِلَّا أَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَجْزَأَهُ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ هَلِ الْكَفَّارَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ لِلْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، أَوْ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى الْمُكَفِّرِ فَقُدِّرَ بِالْعَدَدِ الْمَذْكُورِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ لِلْعَدَدِ كَالْوَصِيَّةِ ; فَلَا بُدَّ مِنَ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ. وَإِنْ قُلْنَا: حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى الْمُكَفِّرِ لَكِنَّهُ قُدِّرَ بِالْعَدَدِ أَجْزَأَ مِنْ ذَلِكَ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ عَلَى عَدَدِ الْمَذْكُورِينَ، وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمِلَةٌ.
وأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: وَهِيَ اشْتِرَاطُ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ فِي الْمَسَاكِينِ) فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ اشْتَرَطَاهُمَا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلِ اسْتِيجَابُ الصَّدَقَةِ هُوَ بِالْفَقْرِ فَقَطْ؟ أَوْ بِالْإِسْلَامِ؟ إِذْ كَانَ السَّمْعُ قَدْ أَنْبَأَ أَنَّهُ يُثَابُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْفَقِيرِ الْغَيْرِ الْمُسْلِمِ.
فَمَنْ شَبَّهَ الْكَفَّارَةَ بِالزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ اشْتَرَطَ الْإِسْلَامَ فِي الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمْ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ، وَمَنْ شَبَّهَهَا بِالصَّدَقَاتِ الَّتِي تَكُونُ عَنْ تَطَوُّعٍ أَجَازَ أَنْ يَكُونُوا غَيْرَ مُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْعَبِيدِ فَهُوَ هَلْ يُتَصَوَّرُ فِيهِمْ وُجُودُ الْفَقْرِ أَمْ لَا، إِذَا كَانُوا مَكْفِيِّينَ مِنْ سَادَاتِهِمْ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، أَوْ مِمَّنْ يَجِبُ أَنْ يُكْفَوْا؟ فَمَنْ رَاعَى وُجُودَ الْفَقْرِ فَقَطْ قَالَ: الْعَبِيدُ وَالْأَحْرَارُ سَوَاءٌ، إِذْ قَدْ يُوجَدُ مِنَ الْعَبِيدِ مَنْ يُجَوِّعُهُ سَيِّدُهُ. وَمَنْ رَاعَى وُجُوبَ الْحَقِّ لَهُ عَلَى الْغَيْرِ بِالْحُكْمِ قَالَ: يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ الْقِيَامُ بِهِمْ، وَيُقْضَى بِذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا قُضِيَ عَلَيْهِ بِبَيْعِهِ، فَلَيْسَ يَحْتَاجُونَ إِلَى الْمَعُونَةِ بِالْكَفَّارَاتِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا مِنَ الصَّدَقَاتِ.
وأَمَّا الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: وَهِيَ هَلْ مِنْ شَرْطِ الرَّقَبَةِ أَنْ تَكُونَ سَلِيمَةً مِنَ الْعُيُوبِ؟) فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْأَمْصَارِ شَرَطُوا ذَلِكَ أَعْنِي الْعُيُوبَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي الْأَثْمَانِ. وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهَا.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلِ الْوَاجِبُ الْأَخْذُ بِأَقَلِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْمُ، أَوْ بِأَتَمِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؟ .
وأَمَّا الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: وَهِيَ اشْتِرَاطُ الْإِيمَانِ فِي الرَّقَبَةِ أَيْضًا) فَإِنَّ مَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ اشْتَرَطَا ذَلِكَ، وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ تَكُونَ الرَّقَبَةُ غَيْرَ مُؤْمِنَةٍ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هُوَ هَلْ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَتَّفِقُ فِي الْأَحْكَامِ وَتَخْتَلِفُ فِي الْأَسْبَابِ، كَحُكْمِ حَالِ هَذِهِ الْكَفَّارَاتِ مَعَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ؟ فَمَنْ قَالَ: يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيِّدِ فِي ذَلِكَ قَالَ بِاشْتِرَاطِ الْإِيمَانِ فِي ذَلِكَ، حَمْلًا عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] ، وَمَنْ قَالَ: لَا يُحْمَلُ وَجَبَ عِنْدَهُ أَنْ يَبْقَى مُوجَبُ اللَّفْظِ عَلَى إِطْلَاقِهِ.