أَوْ أَنَّهُ أَيْضًا قَدْ يُقْصَدُ هَذَانِ الْمَسْجِدَانِ لِمَوْضِعِ صَلَاةِ النَّفْلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» وَاسْمُ الصَّلَاةِ يَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ، قَالَ: هُوَ وَاجِبٌ. لَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ حَمَلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى الْفَرْضِ مَصِيرًا إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صَلَاةُ أَحَدِكُمْ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَإِلَّا وَقَعَ التَّضَادُّ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْبَابِ الثَّانِي أَحَقُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ هَذَا الْبَابِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَاجِبِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ ابْنَهُ فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ مَالِكٌ: يَنْحَرُ جَزُورًا فِدَاءً لَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَنْحَرُ شَاةً، وَهُوَ أَيْضًا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ يَنْحَرُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُهْدِي دِيَتَهُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ يَحُجُّ بِهِ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْنِي: هَلْ مَا تَقَرَّبَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ هُوَ لَازِمٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَمْ لَيْسَ بِلَازِمٍ؟ فَمَنْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ شَرْعٌ خُصَّ بِهِ إِبْرَاهِيمُ قَالَ: لَا يَلْزَمُ النَّذْرُ. وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ لَازِمٌ لَنَا قَالَ: النَّذْرُ لَازِمٌ. وَالْخِلَافُ فِي هَلْ يَلْزَمُنَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا مَشْهُورٌ، لَكِنْ يَتَطَرَّقُ إِلَى هَذَا خِلَافٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ أَنَّهُ كَانَ خَاصًّا بِإِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يَكُنْ شَرْعًا لِأَهْلِ زَمَانِهِ، وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ هَلْ هُوَ شَرْعٌ لَنَا أَمْ لَيْسَ بِشَرْعٍ؟ .
وَالَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهُ شَرْعٌ ; إِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اخْتِلَافِهِمْ أَيْضًا فِي هَلْ يُحْمَلُ الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْوَاجِبِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، أَمْ يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقُرَبِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَذَلِكَ إِمَّا صَدَقَةٌ بِدِيَتِهِ، وَإِمَّا حَجٌّ بِهِ، وَإِمَّا هَدْيُ بَدَنَةٍ.
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، فَذَهَبُوا إِلَى حَدِيثِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَجْعَلَ مَالَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْبَرِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ تَرْفَعُهُ الْكَفَّارَةُ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ نَذْرًا عَلَى جِهَةِ الْخَبَرِ لَا عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ يَمِينًا.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَذَرَ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِ ; مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: مَالِي لِلْمَسَاكِينِ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَفَعَلَهُ ; فَقَالَ قَوْمٌ: ذَلِكَ لَازِمٌ، كَالنَّذْرِ عَلَى جِهَةِ الْخَبَرِ، وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي النُّذُورِ الَّتِي صِيَغُهَا هَذِهِ الصِّيغَةُ أَعْنِي: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْوَاجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute