الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: إِذَا كَانَ الصَّدَاقُ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا، أَوْ بَعِيرًا شَارِدًا - فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْعَقْدُ صَحِيحٌ إِذَا وَقَعَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ.
وَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: فَسَادُ الْعَقْدِ وَفَسْخُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إِنْ دَخَلَ ثَبَتَ، وَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ حُكْمُ النِّكَاحِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْبَيْعِ؟ أَمْ لَيْسَ كَذَلِكَ؟ فَمَنْ قَالَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ - قَالَ: يَفْسُدُ النِّكَاحُ بِفَسَادِ الصَّدَاقِ، كَمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِفَسَادِ الثَّمَنِ. وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ عَقْدِ النِّكَاحِ صِحَّةُ الصَّدَاقِ بِدَلِيلِ أَنَّ ذِكْرَ الصَّدَاقِ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ - قَالَ: يَمْضِي النِّكَاحُ، وَيُصَحَّحُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ ضَعِيفٌ، وَالَّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُ مَالِكٍ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الصَّدَاقِ الْمُحَرَّمِ الْعَيْنِ، وَبَيْنَ الْمُحَرَّمِ لِصِفَةٍ فِيهِ، قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ، وَلَسْتُ أَذْكُرُ الْآنَ فِيهِ نَصًّا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَاخْتَلَفُوا إِذَا اقْتَرَنَ بِالْمَهْرِ بَيْعٌ، مِثْلَ أَنْ تَدْفَعَ إِلَيْهِ عَبْدًا، وَيَدْفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَنِ الصَّدَاقِ وَعَنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، وَلَا يُسَمَّى الثَّمَنُ مِنَ الصَّدَاقِ - فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفَرَّقَ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الْبَيْعِ رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا بِأَمْرٍ لَا يُشَكُّ فِيهِ جَازَ. وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، فَمَرَّةً قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ، وَمُرَّةً قَالَ: فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلِ النِّكَاحُ فِي ذَلِكَ شَبِيهٌ بِالْبَيْعِ؟ أَمْ لَيْسَ بِشَبِيهٍ؟ فَمَنْ شَبَّهَهُ فِي ذَلِكَ بِالْبَيْعِ مَنَعَهُ، وَمَنْ جَوَّزَ فِي النِّكَاحِ مِنَ الْجَهْلِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ - قَالَ: يَجُوزُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً، وَاشْتُرِطَ عَلَيْهِ فِي صَدَاقِهَا حِبَاءٌ يُحَابِي بِهِ الْأَبَ - عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: الشَّرْطُ لَازِمٌ، وَالصَّدَاقُ صَحِيحٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَهْرُ فَاسِدٌ، وَلَهَا صَدَاقُ الْمَثَلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ الشَّرْطُ عِنْدَ النِّكَاحِ فَهُوَ لِابْنَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَهُوَ لَهُ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَشْبِيهُ النِّكَاحِ فِي ذَلِكَ بِالْبَيْعِ؛ فَمَنْ شَبَّهَهُ بِالْوَكِيلِ يَبِيعُ السِّلْعَةَ، وَيَشْتَرِطُ لِنَفْسِهِ حِبَاءً - قَالَ: لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ كَمَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ. وَمَنْ جَعَلَ النِّكَاحَ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلْبَيْعِ قَالَ: يَجُوزُ.
وَأَمَّا تَفْرِيقُ مَالِكٍ فَلِأَنَّهُ اتَّهَمَهُ إِذَا كَانَ الشَّرْطُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الَّذِي اشْتَرَطَهُ لِنَفْسِهِ نُقْصَانًا مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا، وَلَمْ يَتَّهِمْهُ إِذَا كَانَ بَعْدَ انْعِقَادِ النِّكَاحِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى الصَّدَاقِ. وَقَوْلُ مَالِكٍ هُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ.
وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ عَلَى حِبَاءٍ قَبْلَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لَهَا، وَمَا كَانَ بَعْدَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لِمَنْ أُعْطِيَهُ، وَأَحَقُّ مَا أُكْرِمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ ابْنَتُهُ وَأُخْتُهُ» . وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ