أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» . وَالْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ خَرَّجَهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، إِلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ الْقَضَاءُ بِالْخُصُوصِ عَلَى الْعُمُومِ، وَهُوَ لُزُومُ الشُّرُوطِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا وَقَعَ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ خِلَافَ ذَلِكَ. وَأَمَّا الشُّرُوطُ الْمُقَيَّدَةُ بِوَضْعٍ مِنَ الصَّدَاقِ فَإِنَّهُ قَدِ اخْتَلَفَ فِيهَا الْمَذْهَبُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا - أَعْنِي: فِي لُزُومِهَا، أَوْ عَدَمِ لُزُومِهَا -، وَلَيْسَ كِتَابُنَا هَذَا مَوْضُوعًا عَلَى الْفُرُوعِ.
وَأَمَّا حُكْمُ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ إِذَا وَقَعَتْ: فَمِنْهَا: مَا اتَّفَقُوا عَلَى فَسْخِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَهُوَ مَا كَانَ مِنْهَا فَاسِدًا بِإِسْقَاطِ شَرْطٍ مُتَّفَقٍ عَلَى وُجُوبِ صِحَّةِ النِّكَاحِ بِوُجُودِهِ، مِثْلَ أَنْ يَنْكِحَ مُحَرَّمَةَ الْعَيْنِ. وَمِنْهَا: مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي ضَعْفِ عِلَّةِ الْفَسَادِ وَقُوَّتِهَا، وَلِمَاذَا يَرْجِعُ مِنَ الْإِخْلَالِ بِشُرُوطِ الصِّحَّةِ، وَمَالِكٌ فِي هَذَا الْجِنْسِ - وَذَلِكَ فِي الْأَكْثَرِ - يَفْسَخُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَيُثْبِتُهُ بَعْدَهُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ عِنْدَهُ: أَنْ لَا فَسْخَ، وَلَكِنَّهُ يَحْتَاطُ بِمَنْزِلَةِ مَا يَرَى فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ يَفُوتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيُشْبِهُ أَنَّ تَكُونَ هَذِهِ عِنْدَهُ هِيَ الْأَنْكِحَةَ الْمَكْرُوهَةَ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الدُّخُولِ وَعَدَمِ الدُّخُولِ، وَالِاضْطِرَابُ فِي الْمَذْهَبِ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرٌ، وَكَأَنَّ هَذَا رَاجِعٌ عِنْدَهُ إِلَى قُوَّةِ دَلِيلِ الْفَسْخِ وَضَعْفِهِ، فَمَتَى كَانَ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ قَوِيًّا فُسِخَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، وَمَتَى كَانَ ضَعِيفًا فُسِخَ قَبْلُ وَلَمْ يُفْسَخْ بَعْدُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الدَّلِيلُ الْقَوِيُّ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ.
وَمِنْ قِبَلِ هَذَا أَيْضًا اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي وُقُوعِ الْمِيرَاثِ فِي الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ إِذَا وَقَعَ الْمَوْتُ قَبْلَ الْفَسْخِ، وَكَذَلِكَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِيهِ، فَمَرَّةً اعْتُبِرَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَالِاتِّفَاقُ، وَمَرَّةً اعْتُبِرَ فِيهِ الْفَسْخُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ عَدَمِهِ، وَقَدْ نَرَى أَنْ نَقْطَعَ هَا هُنَا الْقَوْلَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْهُ كِفَايَةٌ بِحَسِبِ غَرضِنَا الْمَقْصُودِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute