فَإِنْ طَبَّقَ عَلَيْهَا الدَّمُ اعْتَدَّتْ بِعَدَدِ أَيَّامِ حَيْضَتِهَا فِي صِحَّتِهَا.
وَإِنَّمَا ذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى بَقَاءِ السَّنَةِ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا مِثْلَ الَّتِي لَا تَحِيضُ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ، وَالشَّافِعِيُّ إِنَّمَا ذَهَبَ فِي الْعَارِفَةِ أَيَّامَهَا أَنَّهَا تَعْمَلُ عَلَى مَعْرِفَتِهَا قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسْتَحَاضَةِ: «اتْرُكِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ، فَإِذَا ذَهَبَ عَنْكِ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي الدَّمَ» . وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ التَّمْيِيزَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ حُبَيْشٍ: «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَإِنَّمَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أن عِدَّتهَا بِالشُّهُورِ إِذَا اخْتَلَطَ عَلَيْهَا الدَّمُ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ فِي الْأَغْلَبِ أَنَّهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ تَحِيضُ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الْعِدَّةَ بِالشُّهُورِ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الْحَيْضِ وَخَفَاؤُهُ كَارْتِفَاعِهِ.
وَأَمَّا الْمُسْتَرَابَةُ: - أَعْنِي: الَّتِي تَجِدُ حِسًّا فِي بَطْنِهَا تَظُنُّ بِهِ أَنَّهُ حَمْلٌ -: فَإِنَّهَا تَمْكُثُ أَكْثَرَ مُدَّةِ الحَمْلِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ: فَقِيلَ فِي الْمَذْهَبِ: أَرْبَعُ سِنِينَ. وَقِيلَ: خَمْسُ سِنِينَ. وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: تِسْعَةُ أَشْهُرٍ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ انْقِضَاءَ عِدَّةِ الْحَوَامِلِ لِوَضْعِ حَمْلِهِنَّ - أَعْنِي: الْمُطَلَّقَاتِ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] . وَأَمَّا الزَّوْجَاتُ غَيْرُ الْحَرَائِرِ: فَإِنَّهُنَّ يَنْقَسِمْنَ أَيْضًا بِتِلْكَ الْأَقْسَامِ بِعَيْنِهَا، - أَعْنِي: حُيَّضًا وَيَائِسَاتٍ وَمُسْتَحَاضَاتٍ وَمُرْتَفِعَاتِ الْحَيْضِ مِنْ غَيْرِ يَائِسَاتٍ -.
فَأَمَّا الْحُيَّضُ اللَّاتِي يَأْتِيهِنَّ حَيْضُهُنَّ: فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ عِدَّتَهُنَّ حَيْضَتَانِ. وَذَهَبَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ: إِلَى أَنَّ عِدَّتَهُنَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ كَالْحُرَّةِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ.
فَأَهْلُ الظَّاهِرِ اعْتَمَدُوا عُمُومَ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] . وَهِيَ مِمَّنْ يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْمُطَلَّقَةِ. وَاعْتَمَدَ الْجُمْهُورُ تَخْصِيصَ هَذَا الْعُمُومِ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ شَبَّهُوا الْحَيْضَ بِالطَّلَاقِ وَالْحَدِّ - أَعْنِي: كَوْنَهُ مُتَنَصِّفًا مَعَ الرِّقِّ -، وَإِنَّمَا جَعَلُوهَا حَيْضَتَيْنِ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَبَعَّضُ.
وَأَمَّا الْأَمَةُ الْمُطَلَّقَةُ الْيَائِسَةُ مِنَ الْمَحِيضِ أَوِ الصَّغِيرَةُ: فَإِنَّ مَالِكًا وَأَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالُوا: عِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ: عِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفُ شَهْرٍ نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ إِذَا قُلْنَا بِتَخْصِيصِ الْعُمُومِ، فَكَأَنَّ مَالِكًا اضْطَرَبَ قَوْلُهُ، فَمَرَّةً أَخَذَ الْعُمُوم، وَذَلِكَ فِي الْيَائِسَاتِ، وَمَرَّةً أَخَذَ بِالْقِيَاسِ، وَذَلِكَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ، وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ. وَأَمَّا الَّتِي تَرْتَفِعُ حَيْضَتُهَا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ: فَالْقَوْلُ فِيهَا هُوَ الْقَوْلُ فِي الْحُرَّةِ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحَاضَةُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ رَاجَعَ امْرَأَتَهُ فِي الْعِدَّةِ مِنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا ; هَلْ تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً أَمْ لَا؟ فَقَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: تَسْتَأْنِفُ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: تَبْقَى فِي عِدَّتِهَا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute