الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: وَأَمَّا هَلْ تَلْزَمُ الزَّوْجَةَ الْمُولَى مِنْهَا عِدَّةٌ أَوْ لَيْسَ تَلْزَمُهَا؟ فَإِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَلْزَمُهَا. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: لَا تَلْزَمُهَا عِدَّةٌ إِذَا كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ فِي مُدَّةِ أَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَقَالَ بِقَوْلِهِ طَائِفَةٌ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَحُجَّتُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ إِنَّمَا وُضِعَتْ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَهَذِهِ قَدْ حَصَلَتْ لَهَا الْبَرَاءَةُ. وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فَوَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ كَسَائِرِ الْمُطَلَّقَاتِ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ الْعِدَّةَ جَمَعَتْ عِبَادَةً وَمَصْلَحَةً: فَمَنَ لَحَظَ جَانِبَ الْمَصْلَحَةِ لَمْ يَرَ عَلَيْهَا عِدَّةً، وَمَنْ لَحَظَ جَانِبَ الْعِبَادَةِ أَوْجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: وَأَمَّا إِيلَاءُ الْعَبْدِ، فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: إِيلَاءُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ، عَلَى النِّصْفِ مِنْ إِيلَاءِ الْحُرِّ، قِيَاسًا عَلَى حُدُودِهِ وَطَلَاقِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ: إِيلَاؤُهُ مِثْلُ إِيلَاءِ الْحُرِّ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ تَمَسُّكًا بِالْعُمُومِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَعَلُّقَ الْأَيْمَانِ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدِ سَوَاءٌ، وَالْإِيلَاءُ يَمِينٌ، وَقِيَاسًا أَيْضًا عَلَى مُدَّةِ الْعِنِّينِ ; وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: النَّقْصُ الدَّاخِلُ عَلَى الْإِيلَاءِ مُعْتَبَرٌ بِالنِّسَاءِ لَا بِالرِّجَالِ كَالْعِدَّةِ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ حُرَّةً كَانَ الْإِيلَاءُ إِيلَاءَ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعَلَى النِّصْفِ.
وَقِيَاسُ الْإِيلَاءِ عَلَى الْحَدِّ غَيْرُ جَيِّدٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا كَانَ حَدُّهُ أَقَلَّ مِنْ حَدِّ الْحُرِّ، لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ مِنْهُ أَقَلُّ قُبْحًا، وَمِنَ الْحُرِّ أَعْظَمُ قُبْحًا، وَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ إِنَّمَا ضُرِبَتْ جَمْعًا بَيْنَ التَّوْسِعَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَبَيْنَ إِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنِ الزَّوْجَةِ، فَإِذَا فَرَضْنَا مُدَّةً أَقْصَرَ مِنْ هَذِهِ كَانَ أَضْيَقَ عَلَى الزَّوْجِ وَأَنْفَى لِلضَّرَرِ عَنِ الزَّوْجَةِ، وَالْحُرُّ أَحَقُّ بِالتَّوْسِعَةِ وَنَفْيِ الضَّرَرِ عَنْهُ، فَلِذَلِكَ كَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَنْقُصَ مِنَ الْإِيلَاءِ إِلَّا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا وَالزَّوْجَةُ حُرَّةً فَقَطْ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، فَالْوَاجِبُ التَّسْوِيَةُ.
وَالَّذِينَ قَالُوا بِتَأْثِيرِ الرِّقِّ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ اخْتَلَفُوا فِي زَوَالِ الرِّقِّ بَعْدَ الْإِيلَاءِ، هَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى إِيلَاءِ الْأَحْرَارِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْتَقِلُ عَنْ إِيلَاءِ الْعَبِيدِ إِلَى إِيلَاءِ الْأَحْرَارِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَنْتَقِلُ، فَعِنْدَهُ أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا عَتَقَتْ وَقَدْ آلَى زَوْجُهَا مِنْهَا انْتَقَلَتْ إِلَى إِيلَاءِ الْأَحْرَارِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا لَا إِيلَاءَ عَلَيْهَا، فَإِنْ وَقَعَ وَتَمَادَى حُسِبَتِ أَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ مِنْ يَوْمِ بَلَغَتْ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي تَرْكِ الْجِمَاعِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا إِيلَاءَ عَلَى خَصِيٍّ وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ.
الْمَسْأَلَةُ العَاشِرَةُ: وَأَمَّا هَلْ مِنْ شَرْطِ رَجْعَةِ الْمُولِي أَنْ يَطَأَ فِي الْعِدَّةِ أَمْ لَا؟ فَإِنَّ الْجُمْهُورَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا. وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا لَمْ يَطَأْ فِيهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرِ مَرَضٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا رَجْعَةَ عِنْدَهُ لَهُ عَلَيْهَا وَتَبْقَى عَلَى عِدَّتِهَا، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهَا إِذَا انْقَضَتِ الْعِدَّةُ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ: أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْإِيلَاءُ يَعُودُ بِرَجْعَتِهِ إِيَّاهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَا يَعُودُ: فَإِنْ عَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute