أَمَّا الْعَمَى، وَقَطْعُ الْيَدَيْنِ، أَوِ الرِّجْلَيْنِ فَلَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ فِي أَنَّهُ مَانِعٌ لِلْإِجْزَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَ ذَلِكَ ; فَمِنْهَا هَلْ يَجُوزُ قَطْعُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ؟ أَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنَعَهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَأَمَّا الْأَعْوَرُ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يُجْزِئُ. وَأَمَّا قَطْعُ الْأُذُنَيْنِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ، وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: يُجْزِئُ. وَأَمَّا الْأَصَمُّ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، فَقِيلَ: يُجْزِئُ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ. وَأَمَّا الْأَخْرَسُ فَلَا يُجْزِئُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ. أَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا يُجْزِئُ، أَمَّا الْخَصِيُّ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُعْجِبُنِي الْخَصِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يُجْزِئُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْزِئُ. وَإِعْتَاقُ الصَّغِيرِ جَائِزٌ فِي قَوْلِ عَامَّةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَحَكَى عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ مَنْعَهُ، وَالْعَرَجُ الْخَفِيفُ فِي الْمَذْهَبِ يُجْزِئُ، أَمَّا الْبَيِّنُ الْعَرَجِ فَلَا. وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: اخْتِلَافُهُمْ فِي قَدْرِ النَّقْصِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْقُرْبَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ إِلَّا الضَّحَايَا.
وَكَذَلِكَ لَا يُجْزِئُ فِي الْمَذْهَبِ مَا فِيهِ شَرِكَةٌ، أَوْ طَرَفُ حُرِّيَّةٍ كَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: ٣] ، وَالتَّحْرِيرُ هُوَ ابْتِدَاءُ الْإِعْتَاقِ، وَإِذَا كَانَ فِيهِ عَقْدٌ مِنْ عُقُودِ الْحُرِّيَّةِ كَالْكِتَابَةِ كَانَ تَنْجِيزًا لَا إِعْتَاقًا، وَكَذَلِكَ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ بَعْضَ الرَّقَبَةِ لَيْسَ بِرَقَبَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ أَدَّى شَيْئًا مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤَدِّ جَازَ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُجْزِيهِ عِتْقُ مُدَبَّرِهِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِيهِ تَشْبِيهًا بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ عَقَدٌ لَيْسَ لَهُ حَلُّهُ; وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْزِيهِ; وَلَا يُجْزِي عِنْدَ مَالِكٍ إِعْتَاقُ أُمِّ وَلَدِهِ، وَلَا الْمُعْتَقِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. وَأَمَّا عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ فَلِأَنَّ عَقْدَهَا آكَدُ مِنْ عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا قَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهِمَا الْفَسْخُ. أَمَّا فِي الْكِتَابَةِ فَمِنَ الْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ النُّجُومِ. وَأَمَّا التَّدْبِيرُ، فَإِذَا ضَاقَ عَنْهُ الثُّلُثُ. وَأَمَّا الْعِتْقُ إِلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ عَقْدُ عِتْقٍ لَا سَبِيلَ إِلَى حَلِّهِ. وَاخْتَلَفَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إِجْزَاءِ عِتْقِ مَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ بِالنَّسَبِ، فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِي عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا نَوَى بِهِ عِتْقَهُ عَنْ ظِهَارٍ أَجْزَأَ. فَأَبُو حَنِيفَةَ شَبَّهَهُ بِالرَّقَبَةِ الَّتِي لَا يَجِبُ عِتْقُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الرَّقَبَتَيْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ شِرَاؤُهَا، وَبَذْلُ الْقِيمَةِ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الْعِتْقِ، فَإِذَا نَوَى بِذَلِكَ التَّكْفِيرَ جَازَ ; وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ رَأَتْ أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ عَتَقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى إِعْتَاقِهِ فَلَا يُجْزِيهِ، فَأَبُو حَنِيفَةَ أَقَامَ الْقَصْدَ لِلشِّرَاءِ مَقَامَ الْعِتْقِ، وَهَؤُلَاءِ قَالُوا: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَاصِدًا لِلْعِتْقِ نَفْسِهِ، فَكِلَاهُمَا يُسَمَّى مُعْتِقًا بِاخْتِيَارِهِ، وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا مُعْتِقٌ بِالِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ، وَالْآخَرُ مُعْتِقٌ بِلَازِمِ الِاخْتِيَارِ، فَكَأَنَّهُ مُعْتِقٌ عَلَى الْقَصْدِ الثَّانِي، وَمُشْتَرٍ عَلَى الْقَصْدِ الْأَوَّلِ، وَالْآخَرُ بِالْعَكْسِ.
وَاخْتَلَفَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِيمَنْ أَعْتَقَ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَاحِدِ، وَمَالِكٌ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ، فَهَذَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute