الْعَاصِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى الصَّدَقَةِ» ، قَالُوا: فَهَذَا التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَعَ النَّسَاءِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَاحْتَجَّتْ بِحَدِيثِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ» ، قَالُوا: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأْثِيرِ الْجِنْسِ عَلَى الِانْفِرَادِ فِي النَّسِيئَةِ. وَأَمَّا مَالِكٌ، فَعُمْدَتُهُ فِي مُرَاعَاةِ مَنْعِ النَّسَاءِ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْأَغْرَاضِ سَدُّ الذَّرِيعَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ سَلَفٍ يَجُرُّ نَفْعًا وَهُوَ يَحْرُمُ، وَقَدْ قِيلَ عَنْهُ: إِنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ قِيلَ عَنِ الْكُوفِيِّينَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً اخْتَلَفَ الْجِنْسُ، أَوِ اتَّفَقَ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ سَمُرَةَ، فَكَأَنَّ الشَّافِعِيَّ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَالْحَنَفِيَّةَ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ مَعَ التَّأْوِيلِ لَهُ، لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ الْحَيَوَانُ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً اتَّفَقَ الْجِنْسُ أَوِ اخْتَلَفَ، وَكَأَنَّ مَالِكًا ذَهَبَ مَذْهَبَ الْجَمْعِ، فَحَمَلَ حَدِيثَ سَمُرَةَ عَلَى اتِّفَاقِ الْأَغْرَاضِ، وَحَدِيثَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى اخْتِلَافِهَا. وَسَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلَكِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَيَشْهَدُ لِمَالِكٍ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَيَوَانُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ، لَا يَصْلُحُ النَّسَاءُ وَلَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ» ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ، وَاشْتَرَى جَارِيَةً بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ» ، وَعَلَى هَذَا الْحَدِيثِ يَكُونُ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ لَا مِنْ قِبَلِ سَدِّ ذَرِيعَةٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ نَسَاءً، هَلْ مِنْ شَرْطِهِ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فِي سَائِرِ الرِّبَوِيَّاتِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي الْمُصَارَفَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» ، فَمَنْ شَرَطَ فِيهَا التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ شَبَّهَهَا بِالصَّرْفِ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ قَالَ: إِنَّ الْقَبْضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْبُيُوعِ إِلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ، وَلَمَّا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الصَّرْفِ فَقَطْ بَقِيَتْ سَائِرُ الرِّبَوِيَّاتِ عَلَى الْأَصْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute