للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَابَ عَلَى مَنْ يَكُونُ حَصَادُهُ وَدَرْسُهُ; فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى يَعْمَلَهُ حَبًّا لِلْمُشْتَرِي; وَقَالَ غَيْرُهُمْ: هُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا ثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» ، وَذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَكُلُّهَا مِنْ نَقْلِ الْعُدُولِ، فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِمُوجَبِ هَذَا الْحَدِيثِ عُمُومًا; وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْصِيلِ، (أَعْنِي: فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا هَذَا الِاسْمُ مِنَ الَّتِي لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا) ، وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى بَعْضِهَا، وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ عَلَى وُجُوهٍ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا إِمَّا فِي مَثْمُونَيْنِ بِثَمَنَيْنِ، أَوْ مَثْمُونٍ وَاحِدٍ بِثَمَنَيْنِ، أَوْ مَثْمُونَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ عَلَى الْبَيْعَيْنِ قَدْ لَزِمَ.

أَمَّا فِي مَثْمُونَيْنِ بِثَمَنَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَبِيعُكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِثَمَنِ كَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي هَذِهِ الدَّارَ بِثَمَنِ كَذَا; وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَبِيعُكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِدِينَارٍ أَوْ هَذِهِ الْأُخْرَى بِدِينَارَيْنِ.

وَأَمَّا بَيْعُ مَثْمُونٍ وَاحِدٍ بِثَمَنَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ أَيْضًا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الثَّمَنَيْنِ نَقْدًا وَالْآخَرُ نَسِيئَةً، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَبِيعُكَ هَذَا الثَّوْبَ نَقْدًا بِثَمَنِ كَذَا عَلَى أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْكَ إِلَى أَجَلِ كَذَا بِثَمَنِ كَذَا.

وَأَمَّا مَثْمُونَانِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، فَمِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَبِيعُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ بِثَمَنِ كَذَا.

أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَبِيعُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي هَذَا الْغُلَامَ بِكَذَا، فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي كِلَيْهِمَا يَكُونُ مَجْهُولًا، لِأَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ الْمَبِيعَيْنِ لَمْ يَتَّفِقَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي الْمَبِيعَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَأَصْلُ الشَّافِعِيِّ فِي رَدِّ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ إِنَّمَا هُوَ جَهْلُ الثَّمَنِ، أَوِ الْمَثْمُونِ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِدِينَارٍ أَوْ هَذِهِ الْأُخْرَى بِدِينَارَيْنِ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ لَزِمَ فِي أَحَدِهِمَا فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَسَوَاءٌ كَانَ النَّقْدُ وَاحِدًا أَوْ مُخْتَلِفًا; وَخَالَفَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي ذَلِكَ، فَأَجَازَهُ إِذَا كَانَ النَّقْدُ وَاحِدًا أَوْ مُخْتَلِفًا، وَعِلَّةُ مَنْعِهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ الْجَهْلُ; وَعِنْدَ مَالِكٍ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ أَنْ يَخْتَارَ فِي نَفْسِهِ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ، فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ ثَوْبًا وَدِينَارًا بِثَوْبٍ وَدِينَارٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَبِيعُكَ هَذَا الثَّوْبَ نَقْدًا بِكَذَا أَوْ نَسِيئَةً بِكَذَا، فَهَذَا إِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>