للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صَاحِبَهُ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ، فَيَنْقُصُ أَحَدُ الذَّهَبَيْنِ عَنِ الْآخَرِ، فَيُرِيدُ الَّذِي نَقَصَ ذَهَبُهُ أَنْ يُعْطِيَ عِوَضَ النَّاقِصِ دَرَاهِمَ، أَوْ عَرَضًا، فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَاللَّيْثُ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَالْمُرَاطَلَةُ فَاسِدَةٌ; وَأَجَازَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْكُوفِيُّونَ.

وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ: تَقْدِيرُ وُجُودِ الْمُمَاثَلَةِ مِنَ الذَّهَبَيْنِ، وَبَقَاءُ الْفَضْلِ مُقَابِلَ للْعَرَضِ.

وَعُمْدَةُ مَالِكٍ: التُّهْمَةُ فِي أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ بَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا.

وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيِّ: عَدَمُ الْمُمَاثَلَةِ بِالْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الْعَدَدِ الَّذِي بِالْفَضْلِ، وَمِثْلُ هَذَا يَخْتَلِفُونَ إِذَا كَانَتِ الْمُصَارَفَةُ بِالْعَدَدِ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ:

وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلَيْنِ يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ دَنَانِيرُ، وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ، هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَصَارَفَاهَا وَهِيَ فِي الذِّمَّةِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ جَائِزٌ إِذَا كَانَا قَدْ حَلَّا مَعًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ فِي الْحَالِ وَفِي غَيْرِ الْحَالِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَاللَّيْثُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَلَّا أَوْ لَمْ يَحِلَّا.

وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يُجِزْهُ: أَنَّهُ غَائِبٌ بِغَائِبٍ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ غَائِبٌ بِنَاجِزٍ كَانَ أَحْرَى أَنْ لَا يَجُوزَ غَائِبٌ بِغَائِبٍ.

وَأَمَّا مَالِكٌ: فَأَقَامَ حُلُولَ الْأَجَلَيْنِ فِي ذَلِكَ مَقَامَ النَّاجِزِ بِالنَّاجِزِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَا حَالَّيْنِ مَعًا، لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. وَبِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ كِنَانَةَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.

وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي جَوَازِ الصَّرْفِ عَلَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُمَا إِذَا دَفَعَهُ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، مِثْلُ أَنْ يَسْتَقْرِضَاهُ فِي الْمَجْلِسِ فَتَقَابَضَاهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، فَأَجَازَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَاسْتَخَفَّهُ مِنَ الطَّرَفِ الْوَاحِدِ (أَعْنِي: إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا هُوَ الْمُسْتَقْرِضَ فَقَطْ) . وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ دَرَاهِمُ إِلَى أَجَلٍ: هَلْ يَأْخُذُ فِيهَا إِذَا حَلَّ الْأَجَلُ ذَهَبًا أَوْ بِالْعَكْسِ؟ فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْقَبْضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، إِلَّا أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وسَوَاءٌ أكَانَ الْأَجَلُ حَالًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ.

وَحُجَّةُ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ، أَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ، وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ، وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ بِسِعْرِ يَوْمِهِ»

<<  <  ج: ص:  >  >>