وَاخْتَلَفُوا فِي أَرْبَعَةٍ:
أَحَدهَا: الْأَجَلُ، هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِيهِ أَمْ لَا؟
وَالثَّانِي: هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ جِنْسُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ مَوْجُودًا فِي حَالِ عَقْدِ السَّلَمِ أَمْ لَا؟
وَالثَّالِثُ: اشْتِرَاطُ مَكَانِ دَفْعِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُقَدَّرًا إِمَّا مَكِيلًا، وَإِمَّا مَوْزُونًا، وَإِمَّا مَعْدُودًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ جُزَافًا.
١ - فَأَمَّا الْأَجَلُ: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ هُوَ عِنْدَهُ شَرْطُ صِحَّةٍ بِلَا خِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا مَالِكٌ، فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ شَرْطِ السَّلَمِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ يَتَخَرَّجُ مِنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ جَوَازُ السَّلَمِ الْحَالِّ. وَأَمَّا اللَّخْمِيُّ فَإِنَّهُ فَصَّلَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ السَّلَمَ فِي الْمَذْهَبِ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: سَلَمٌ حَالٌّ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ شَأْنِهِ بَيْعُ تِلْكَ السِّلْعَةِ وَسَلَمٌ مُؤَجَّلٌ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ بَيْعُ تِلْكَ السِّلْعَةِ.
وَعُمْدَةُ مَنِ اشْتَرَطَ الْأَجَلَ شَيْئَانِ: ظَاهِرُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْأَجَلُ كَانَ مِنْ بَابِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ إِذَا جَازَ الْأَجَل فَهُوَ حَالٌّ أَجْوَزُ; لِأَنَّهُ أَقَلُّ غَرَرًا، وَرُبَّمَا اسْتَدَلَّتِ الشَّافِعِيَّةُ بِمَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى جَمَلًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ بِوَسْقِ تَمْرٍ، فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ لَمْ يَجِدِ التَّمْرَ، فَاسْتَقْرَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمْرًا، وَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ» . قَالُوا: فَهَذَا هُوَ شِرَاءٌ حَالٌّ بِتَمْرٍ فِي الذِّمَّةِ.
وَالْمَالِكِيَّة مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّ السَّلَمَ إِنَّمَا جُوِّزَ لِمَوْضِعِ الِارْتِفَاقِ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِفَ يَرْغَبُ فِيهِ لِمَوْضِعِ النَّسِيئَةِ، وَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطِ الْأَجَلُ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَجَلِ فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: هَلْ يُقَدَّرُ بِغَيْرِ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ مِثْلُ الْجِذَاذِ، وَالْقِطَافِ، وَالْحَصَادِ، وَالْمَوْسِمِ؟
وَالثَّانِي: فِي مِقْدَارِهِ مِنَ الْأَيَّامِ.
وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي مِقْدَارِهِ مِنَ الْأَيَّامِ: أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
ضَرْبٌ يُقْتَضَى بِالْبَلَدِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَضَرْبٌ يُقْتَضَى بِغَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ المسلمُ:
فَإِنِ اقْتَضَاهُ فِي الْبَلَدِ الْمُسْلَمِ فِيهِ: فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ أَجَلٌ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَسْوَاقُ، وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ نَحْوُهَا.