للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْدُومَةً فِي حَالِ الْعَقْدِ فَهِيَ مُسْتَوْفَاةٌ فِي الْغَالِبِ، وَالشَّرْعُ إِنَّمَا لَحَظَ مِنْ هَذِهِ الْمَنَافِعِ مَا يُسْتَوْفَى فِي الْغَالِبِ، أَوْ يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ وَعَدَمُ اسْتِيفَائِهِ عَلَى السَّوَاءِ.

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهَذَا الْقِسْمُ النَّظَرُ فِيهِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ، وَجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَكُونُ الثَّمَنُ مُقَابِلًا لَهُ، وَصِفَتِهَا.

فَأَمَّا الثَّمَنُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْبُيُوعِ.

وَأَمَّا الْمَنْفَعَةُ: فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا لَمْ يَنْهَ الشَّرْعُ عَنْهُ، وَفِي كُلِّ هَذِهِ مَسَائِلُ اتَّفَقُوا عَلَيْهَا وَاخْتَلَفُوا فِيهَا:

فَما اجْتَمَعُوا عَلَى إِبْطَالِ إِجَارَتِهِ: كُلُّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ لِشَيْءٍ مُحَرَّمِ الْعَيْنِ، كَذَلِكَ كُلُّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِالشَّرْعِ، مِثْلُ أَجْرِ النَّوَائِحِ، وَأَجْرِ الْمُغَنِّيَاتِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالشَّرْعِ مِثْلُ الصَّلَاةِ، وَغَيْرِهَا، وَاتَّفَقُوا عَلَى إِجَارَةِ الدُّورِ، وَالدَّوَابِّ، وَالنَّاسِ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ، وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ وَالْبُسُطُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي إِجَارَةِ الْأَرَضِينَ، وَفِي إِجَارَةِ الْمِيَاهِ، وَفِي إِجَارَةِ الْمُؤَذِّنِ، وَفِي الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَفِي إِجَارَةِ نَزْوِ الْفُحُولِ.

فَأَمَّا كِرَاءُ الْأَرَضِينَ: فَاخْتَلَفُوا فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا: فَقَوْمٌ لَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ بَتَّةً، وَهُمُ الْأَقَلُّ، وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِجَوَازِ ذَلِكَ.

وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِيمَا يَجُوزُ بِهِ كِرَاؤُهَا:

فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ فَقَطْ، وَهُوَ مَذْهَبُ رَبِيعَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ.

وَقَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِكُلِّ شَيْءٍ مَا عَدَا الطَّعَامَ، وَسَوَاءٌ أكَانَ ذَلِكَ بِالطَّعَامِ الْخَارِجِ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَمَا عَدَا مَا يَنْبُتُ فِيهَا كَانَ طَعَامًا، أَوْ غَيْرَهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا عَدَا الطَّعَامَ فَقَطْ.

وَقَالَ آخَرُونَ: يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِكُلِّ الْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مَا لَمْ يَكُنْ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنَ الطَّعَامِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْموطأ.

وَقَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِكُلِّ شَيْءٍ وَبِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.

وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَهَا بِحَالٍ: مَا رَوَاهُ مَالِكٌ بِسَنَدِهِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ» ، قَالُوا: وَهَذَا عَامٌّ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى مَا رَوَى مَالِكٌ مِنْ تَخْصِيصِ الرَّاوِي لَهُ حِينَ رَوَى عَنْهُ، قَالَ حَنْظَلَةُ: فَسَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، عَنْ كِرَائِهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ رَافِعِ عن ابْنِ عُمَرَ، وَأُخِذَ بِعُمُومِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكْرِي أَرْضَهُ فَتَرَكَ ذَلِكَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا يُخَصّ الْعُمُومُ بِقَوْلِ الرَّاوِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>