للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرُّكْنُ الثَّالِثُ ; وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَجُوزُ بِكُلِّ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ أَجْزَاءِ الثَّمَرِ، فَأَجَازَ مَالِكٌ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ كُلُّهَا لِلْعَامِلِ كَمَا فَعَلَ فِي الْقِرَاضِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْحَةٌ لَا مُسَاقَاةٌ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا اشْتِرَاطُ مَنْفَعَةٍ زَائِدَةٍ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ زِيَادَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ، وَلَا شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ الْخَارِجَةِ عَنِ الْمُسَاقَاةِ إِلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ عِنْدَ مَالِكٍ مِثْلَ سَدِّ الْحِظَارِ، وَإِصْلَاحِ الظَّفِيرَةِ (وَهِيَ مُجْتَمَعُ الْمَاءِ) .

وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يُسَاقِيَ عَلَى حَائِطَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَلَى جُزْءٍ، وَالْآخَرُ عَلَى جُزْءٍ آخَرَ، وَاحْتَجَّ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي خَيْبَرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سَاقَى عَلَى حَوَائِطَ مُخْتَلِفَةٍ بِجُزْءٍ وَاحِدٍ، وَفِيهِ خِلَافٌ.

وَاختلف الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْنَ الْعَامِلِ، وَالْمُسَاقِي فِي الثَّمَرِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْكَيْلِ، وَكَذَلِكَ فِي الشَّرِكَةِ، وَأَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِالْخَرْصِ. وَأَجَازَ قَوْمٌ قِسْمَتَهَا بِالْخَرْصِ. وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ، وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، فَقِيلَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ مِنَ الثِّمَارِ فِي الرِّبَوِيَّةِ، وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: يَجُوزُ بِإِطْلَاقٍ إِذِ اخْتَلَفَ حَاجَةُ الشَّرِيكَيْنِ.

وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ: أَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ الْمُزَابَنَةِ، وَيَدْخُلُهُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَبَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةً.

وَحُجَّةُ مَنْ أَجَازَ قِسْمَتَهَا بِالْخَرْصِ تَشْبِيهُهَا بِالْعَرِيَّةِ، وَبِالْخَرْصِ فِي الزَّكَاةِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ. وَأَقْوَى مَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ مِنَ الْخَرْصِ فِي مُسَاقَاةِ خَيْبَرَ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ.

الرُّكْنُ الرَّابِعُ: وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْوَقْتِ فِي الْمُسَاقَاةِ: فَهُوَ صِنْفَانِ: وَقْتٌ هُوَ مُشْتَرَطٌ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ، وَوَقْتٌ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمُحَدِّدُ لِمُدَّتِهَا.

فَأَمَّا الْوَقْتُ الْمُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ عَقْدِهَا: فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا تَجُوزُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ. وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ ذَلِكَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْقَائِلِينَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ بدو الصَّلَاحِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ; فَمَرَّةً قَالَ: لَا يَجُوزُ، وَمَرَّةً قَالَ: يَجُوزُ، وَقَدْ قِيلَ عَنْهُ: إِنَّهَا لَا تَجُوزُ إِذَا خُلِقَ الثَّمَرُ.

وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ مِنَ الثَّمَرِ لَيْسَ فِيهِ عَمَلٌ، وَلَا ضَرُورَةٌ دَاعِيَةٌ إِلَى الْمُسَاقَاةِ; إِذْ كَانَ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا هِيَ إِجَارَةٌ إِنْ وَقَعَتْ.

وَحُجَّةُ مَنْ أَجَازَهَا: أَنَّهُ إِذَا جَازَتْ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ الثَّمَرُ فَهِيَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَجْوَزُ، وَمِنْ هُنَا لَمْ تَجُزْ عِنْدَهُمْ مُسَاقَاةُ الْبُقُولِ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا (أَعْنِي: عِنْدَ الْجُمْهُورِ) .

وَأَمَّا الْوَقْتُ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي مدة الْمُسَاقَاةِ، فَإِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أن يَكُونُ مَجْهُولًا (أَعْنِي: مُدَّةً غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ) ، وَأَجَازَ طَائِفَةٌ أَنْ يَكُونَ إِلَى مُدَّةٍ غَيْرِ مُؤَقَّتَةٍ مِنْهُمْ أَهْلُ الظَّاهِرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>