للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَهُ فِي الْمَبِيعِ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلِأَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ عِنْدَهُ بَاطِلَةٌ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَلَا خِلَافَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَصْحَابِهِ فِي أَنَّ الشُّفْعَةَ فِيهَا وَاجِبَةٌ.

وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ الَّذِي بِالْخِيَارِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْخِيَارُ فِيهِ لِلْبَائِعِ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ حَتَّى يَجِبَ الْبَيْعُ. وَاخْتَلَفُوا إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي: فَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالْكُوفِيُّونَ: الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ; لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ صَرَمَ الشِّقْصَ عَنْ مِلْكِهِ، وَأَبَانَهُ مِنْهُ، وَقِيلَ: إِنَّ الشُّفْعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.

وَاخْتُلِفَ فِي الشُّفْعَةِ فِي الْمُسَاقَاةِ (وَهِيَ تَبْدِيلُ أَرْضٍ بِأَرْضٍ) : فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: الْجَوَازُ، وَالْمَنْعُ، وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْمُنَاقَلَةُ بَيْنَ الْأَشْرَاكِ، أو الْأَجَانِبِ، فَلَمْ يَرَهَا فِي الْأَشْرَاكِ، وَرَآهَا فِي الْأَجَانِبِ.

الرُّكْنُ الرَّابِعُ.

فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ.

وَالنَّظَرُ فِي هَذَا الرُّكْنِ بِمَاذَا يَأْخُذُ الشَّفِيعُ، وَكَمْ يَأْخُذُ، وَمَتَى يَأْخُذُ؟ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ فِي الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ إِن كَانَ حَالًّا.

وَاخْتَلَفُوا إِذَا كَانَ الْبَيْعُ إِلَى أَجَلٍ هَلْ يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، أَوْ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ حَالًّا، وَهُوَ مُخَيَّرٌ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: يَأْخُذُهُ بِذَلِكَ الْأَجَلِ إِذَا كَانَ مَلِيًّا، أَوْ يَأْتِي بِضَامِنٍ مَلِيءٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الشَّفِيعُ مُخَيَّرٌ، فَإِنْ عَجَّلَ تَعَجَّلَتِ الشُّفْعَةُ، وَإِلَّا تَتَأَخَّرُ إِلَى وَقْتِ الْأَجَلِ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا يَأْخُذُهَا إِلَّا بِالنَّقْدِ; لِأَنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِ الْأَوَّلِ، قَالَ: وَمِنَّا مَنْ يَقُولُ تَبْقَى فِي يَدِ الَّذِي بَاعَهَا، فَإِنْ بَلَغَ الْأَجَلَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ.

وَالَّذِينَ رَأَوُا الشُّفْعَةَ فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ مِمَّا لَيْسَ بِبَيْعٍ، فَالْمَعْلُومُ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَأْخُذُ الشُّفْعَةَ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ إِنْ كَانَ الْعِوَضُ مِمَّا لَيْسَ يَتَقَدَّرُ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مُعْطًى فِي خُلْعٍ. وَأمَّا أَنْ يَكُونَ مُعْطًى فِي شَيْءٍ يَتَقَدَّرُ وَلَمْ يَكُنْ دَنَانِيرَ، وَلَا دَرَاهِمَ، وَلَا بِالْجُمْلَةِ مَكِيلًا، وَلَا مَوْزُونًا، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي دَفَعَ الشِّقْصَ فِيهِ; وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَحْدُودَ الْقَدْرِ بِالشَّرْعِ أَخَذَ ذَلِكَ الْقَدْرِ، مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ الشِّقْصَ فِي مُوضِحَةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، أَوْ مُنَقَّلَةٍ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِدِيَةِ الْمُوضِحَةِ أَوِ الْمُنَقَّلَةِ.

وَأَمَّا كَمْ يَأْخُذُ؟ فَإِنَّ الشَّفِيعَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، وَالْمَشْفُوعُ عَلَيْهِ أَيْضًا لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ. فَأَمَّا أَنَّ الشَّفِيعَ وَاحِدٌ وَالْمَشْفُوعَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ يَدَعَ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَشْفُوعُ عَلَيْهِ وَاحِدًا وَالشُّفَعَاءُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ بَيْنَهُمْ.

وَالثَّانِي: إِذَا اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُ شَرِكَتِهِمْ; هَلْ يَحْجُبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنِ الشُّفْعَةِ أَمْ لَا؟ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ شُرَكَاءَ فِي الْمَالِ الَّذِي وَرِثُوهُ; لِأَنَّهُمْ أَهْلُ سَهْمٍ وَاحِدٍ، وَبَعْضُهُمْ لِأَنَّهُمْ عُصْبَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>