وَعَدَدَهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ» قَالُوا: وَلَكِنْ لَا يَضُرُّهُ الْجَهْلُ بِالْعَدَدِ إِذَا عَرَفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ، وَكَذَلِكَ إِنْ زَادَ فِيهِ.
وَاخْتَلَفُوا إِنْ نَقَصَ مِنَ الْعَدَدِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا إِذَا جَهِلَ الصِّفَةَ وَجَاءَ بِالْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ. وَأَمَّا إِذَا غَلِطَ فِيهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَأَمَّا إِذَا عَرَفَ إِحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَقَعَ النَّصُّ عَلَيْهِمَا وَجَهِلَ الْأُخْرَى فَقِيلَ إِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهِمَا جَمِيعًا، وَقِيلَ يُدْفَعُ إِلَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَقِيلَ إِنِ ادَّعَى الْجَهَالَةَ اسْتُبْرِئَ، وَإِنْ غَلِطَ لَمْ تُدْفَعْ إِلَيْهِ.
وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ إِذَا أَتَى بِالْعَلَامَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ هَلْ يُدْفَعُ إِلَيْهِ بِيَمِينٍ أَوْ بِغَيْرِ يَمِينٍ؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِغَيْرِ يَمِينٍ: وَقَالَ أَشْهَبُ: بِيَمِينٍ.
وَأَمَّا ضَالَّةُ الْغَنَمِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لِوَاجِدِ ضَالَّةِ الْغَنَمِ فِي الْمَكَانِ الْقَفْرِ الْبَعِيدِ مِنَ الْعُمْرَانِ أَنْ يَأْكُلَهَا «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الشَّاةِ: " هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُضَمَّنُ قِيمَتَهَا لِصَاحِبِهَا أَمْ لَا؟ فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهُ يُضَمَّنُ قِيمَتَهَا، وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَشْهَرِ الْأَقَاوِيلِ عَنْهُ: إِنَّهُ لَا يُضَمَّنُ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ مُعَارَضَةُ الظَّاهِرِ كَمَا قُلْنَا لِلْأَصْلِ الْمَعْلُومِ مِنَ الشَّرِيعَةِ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا هُنَا غَلَّبَ الظَّاهِرَ فَجَرَى عَلَى حُكْمِ الظَّاهِرِ، وَلَمْ يَجُزْ كَذَلِكَ التَّصَرُّفُ فِيمَا وَجَبَ تَعْرِيفُهُ بَعْدَ الْعَامِ لِقُوَّةِ اللَّفْظِ هَاهُنَا، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يُضَمَّنُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ طَعَامٍ لَا يَبْقَى إِذَا خُشِيَ عَلَيْهِ التَّلَفُ إِنْ تَرَكَهُ.
وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ عِنْدَ أَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
١ - قِسْمٌ يَبْقَى فِي يَدِ مُلْتَقِطِهِ وَيُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَف إِنْ تُرِكَ كَالشَّاةِ فِي الْقَفْرِ، وَالطَّعَامِ الَّذِي يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ.
٣ - وَقِسْمٌ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَف.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا يَبْقَى فِي يَدِ مُلْتَقِطِهِ وَيُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ، فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ إلى ثَلَاثَة أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا بَالَ لَهُ وَلَا قَدْرَ لِقِيمَتِهِ وَيُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَطْلُبُهُ لِتَفَاهَتِهِ، فَهَذَا لَا يُعَرَّفُ عِنْدَهُ وَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا» ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا تَعْرِيفًا، وَهَذَا مِثْلُ الْعَصَا وَالسَّوْطِ، وَإِنْ كَانَ أَشْهَبُ قَدِ اسْتَحْسَنَ تَعْرِيفَ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا إِلَّا أَنَّ لَهُ قَدْرًا وَمَنْفَعَةً، فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي تَعْرِيفِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ مَا يُعَرَّفُ، فَقِيلَ سَنَةً، وَقِيلَ أَيَّامًا.