وَفِي بَعْضِهَا «بَلْ عَارِيَةٌ مُؤَدَّاةٌ» ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ضَمَانٌ» .
فَمَنْ رَجَّحَ وَأَخَذَ بِهَذَا أَسْقَطَ الضَّمَانَ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ بِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَلْزَمَهُ الضَّمَانَ، وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْجَمْعِ فَرَّقَ بَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَبَيْنَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، فَحَمَلَ هَذَا الضَّمَانَ عَلَى مَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَالْحَدِيثَ الْآخَرَ عَلَى مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ضَمَانٌ» غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَحَدِيثُ صَفْوَانَ صَحِيحٌ، وَمَنْ لَمْ يَرَ الضَّمَانَ شَبَّهَهَا بِالْوَدِيعَةِ، وَمَنْ فَرَّقَ قَالَ: الْوَدِيعَةُ مَقْبُوضَةٌ لِمَنْفَعَةِ الدَّافِعِ، وَالْعَارِيَةُ لِمَنْفَعَةِ الْقَابِضِ.
وَاتَّفَقُوا فِي الْإِجَارَةِ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ (أَعْنِي: الشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا) ، وَيُلْزِمُ الشَّافِعِيُّ إِذَا سَلَّمَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ أَنْ لَا يَكُونَ ضَمَانٌ فِي الْعَارِيَةِ إِنْ سَلَّمَ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ هُوَ الِانْتِفَاعُ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُضَمَّنْ حَيْثُ قَبَضَ لِمَنْفَعَتِهِمَا فَأَحْرَى أَنْ لَا يُضَمَّنَ حَيْثُ قَبَضَ لِمَنْفَعَتِهِ إِذَا كَانَتْ مَنْفَعَةُ الدَّافِعِ مُؤَثِّرَةً فِي إِسْقَاطِ الضَّمَانِ.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا شُرِطَ الضَّمَانُ، فَقَالَ قَوْمٌ: يُضَمَّنُ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُضَمَّنُ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إِذَا اشْتُرِطَ الضَّمَانُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَجِبُ فِيهِ عَلَيْهِ الضَّمَانُ أَنْ يَلْزَمَ إِجَارَةُ الْمِثْلِ فِي اسْتِعْمَالِهِ الْعَارِيَةَ ; لِأَنَّ الشَّرْطَ يُخْرِجُ الْعَارِيَةَ عَنْ حُكْمِ الْعَارِيَةِ إِلَى بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ إِذَا كَانَ صَاحِبُهَا لَمْ يَرْضَ أَنْ يُعِيرَ إِلَّا بِأَنْ يُخْرِجَهَا فِي ضَمَانِهِ، فَهُوَ عِوَضٌ مَجْهُولٌ فَيَجِبُ أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَعْلُومٍ.
وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ إِذَا غَرَسَ الْمُسْتَعِيرُ وَبَنَى ثُمَّ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ الَّتِي اسْتَعَارَ إِلَيْهَا، فَقَالَ مَالِكٌ: الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمُسْتَعِيرَ بِقَلْعِ غِرَاسَتِهِ وَبِنَائِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا إِذَا كَانَ مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْقَلْعِ، وَسَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ الْمَحْدُودَةُ بِالشَّرْطِ أَوْ بِالْعُرْفِ أَوِ الْعَادَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ الْقَلْعُ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْقَلْعِ، بَلْ يُخَيَّرُ الْمُعِيرُ بِأَنْ يُبْقِيَهُ بِأَجْرٍ يُعْطَاهُ، أَوْ يُنْقَضَ بِأَرْشٍ، أَوْ يُتَمَلَّكَ بِبَدَلٍ، فَأَيُّهَا أَرَادَ الْمُعِيرُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ، فَإِنْ أَبَى كُلِّفَ تَفْرِيغَ الْمِلْكِ. وَفِي جَوَازِ بَيْعَتِهِ لِلنَّقْضِ عِنْدَهُ خِلَافٌ ; لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلنَّقْضِ.
فَرَأَى الشَّافِعِيُّ أَخْذَهُ الْمُسْتَعِيرَ بِالْقَلْعِ دُونَ أَرْشٍ هُوَ ظُلْمٌ، وَرَأَى مَالِكٌ أَنَّ عَلَيْهِ إِخْلَاءَ الْمَحَلِّ، وَأَنَّ الْعُرْفَ فِي ذَلِكَ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشُّرُوطِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُ إِنِ اسْتَعْمَلَ الْعَارِيَةَ اسْتِعْمَالًا يُنْقِصُهَا عَنِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ ضُمِّنَ مَا نَقَصَهَا بِالِاسْتِعْمَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute