يَأْخُذَهُ، وَمَا نَقَصَتْهُ الْجِنَايَةُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعِنْدَ سَحْنُونٍ مَا نَقَصَتْهُ الْجِنَايَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ.
وَذَهَبَ أَشْهَبُ إِلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ أَوْ يَأْخُذَهُ نَاقِصًا، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْجِنَايَةِ، كَالَّذِي يُصَابُ بِأَمْرٍ مِنَ السَّمَاءِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ.
وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ مَنْ جَعَلَ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْغَصْبِ جَعَلَ مَا حَدَثَ فِيهِ مِنْ نَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ، كَأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ، فَأَوْجَبَ لَهُ الْغَلَّةَ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ فِي النُّقْصَانِ شَيْئًا سَوَاءٌ أكَانَ مِنْ سَبَبِهِ أَوْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَقِيَاسُ قَوْلِ مَنْ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ فَقَطْ، وَمَنْ جَعَلَ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ فِي كُلِّ أَوَانٍ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ آخِذَةً بِأَرْفَعِ الْقِيَمِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ رَدَّ الْغَلَّةِ وَضَمَانَ النُّقْصَانِ، سَوَاءٌ أكَانَ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَوْ قِيَاسُ قَوْلِهِ. وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْجِنَايَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنَ الْغَاصِبِ، وَبَيْنَ الْجِنَايَةِ الَّتِي تَكُونُ بِأَمْرٍ مِنَ السَّمَاءِ - وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ - فَعُمْدَتُهُ قِيَاسُ الشَّبَهِ ; لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ جِنَايَةَ الْغَاصِبِ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي غَصَبَهُ هُوَ غَصْبٌ ثَانٍ مُتَكَرِّرُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ، فَهَذَا هُوَ نُكْتَةُ الِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقِفْ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عِنْدَ الْغَاصِبِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْغَاصِبِ، فَالْمَغْصُوبُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْغَصْبِ وَيُتْبِعَ الْغَاصِبَ الْجَانِيَ، وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ الْغَاصِبَ وَيَتْبَعَ الْجَانِيَ بِحُكْمِ الْجِنَايَاتِ، فَهَذَا حُكْمُ الْجِنَايَاتِ عَلَى الْعَيْنِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ.
وَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْصِبَهَا غَاصِبٌ، فَإِنَّهَا تَنْقَسِمُ عِنْدَ مَالِكٍ إِلَى قِسْمَيْنِ:
١ - جِنَايَةٌ تُبْطِلُ يَسِيرًا مِنَ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الشَّيْءِ بَاقٍ، فَهَذَا يَجِبُ فِيهِ مَا نَقَصَ يَوْمَ الْجِنَايَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَوَّمَ صَحِيحًا وَيُقَوَّمَ بِالْجِنَايَةِ، فَيُعْطَى مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ.
٢ - وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مِمَّا تُبْطِلُ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ ; فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَكُونُ مُخَيَّرًا إِنْ شَاءَ أَسْلَمَهُ لِلْجَانِي وَأَخَذَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الْجِنَايَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا قِيمَةُ الْجِنَايَةِ.
وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ الِالْتِفَاتُ إِلَى الْحَمْلِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَتَشْبِيهُ إِتْلَافِ أَكْثَرِ الْمَنْفَعَةِ بِإِتْلَافِ الْعَيْنِ.
وَأَمَّا النَّمَاءُ فَإِنَّهُ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِفِعْلِ اللَّهِ كَالصَّغِيرِ يَكْبَرُ، وَالْمَهْزُولِ يَسْمَنَ وَالْعَيْبِ يَذْهَبُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا أَحْدَثَهُ الْغَاصِبُ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفَوْتٍ.
وَأَمَّا النَّمَاءُ بِمَا أَحْدَثَهُ الْغَاصِبُ فِي الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ، فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إِلَى قِسْمَيْنِ: