للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَمِنْ حَيْثُ هِيَ عَقْدٌ مِنَ الْعُقُودِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا الْقَبْضُ، وَمِنْ حَيْثُ شَرَطَتِ الصَّحَابَةُ فِيهِ الْقَبْضَ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ جُعِلَ الْقَبْضُ فِيهَا مِنْ شَرْطِ التَّمَامِ، وَمِنْ حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَأَنَّهُ إِنْ تَرَاخَى حَتَّى يَفُوتَ الْقَبْضُ بِمَرَضٍ أَوْ إِفْلَاسٍ عَلَى الْوَاهِبِ سَقَطَ حَقُّهُ.

وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْأَبَ يَحُوزُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ الَّذِي فِي وِلَايَةِ نَظَرِهِ، وَلِلْكَبِيرِ السَّفِيهِ الَّذِي مَا وَهَبَهُ، كَمَا يَحُوزُ لَهُمَا مَا وَهَبَهُ غَيْرُهُ لَهُما، وَأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْحِيَازَةِ لَهُ إِشْهَادُهُ بِالْهِبَةِ وَالْإِعْلَانُ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِيمَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ: مَنْ نَحَلَ ابْنًا لَهُ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَحُوزَ نِحْلَتَهُ فَأَعْلَنَ ذَلِكَ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَهِيَ حِيَازَةٌ وَإِنْ وَلِيَهَا، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: لَا بُدَّ مِنَ الْحِيَازَةِ فِي الْمَسْكُونِ وَالْمَلْبُوسِ، فَإِنْ كَانَتْ دَارًا سَكَنَ فِيهَا خَرَجَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ الْمَلْبُوسُ إِنْ لَبِسَهُ بَطَلَتِ الْهِبَةُ، وَقَالُوا فِي سَائِرِ الْعُرُوضِ بِمِثْلِ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ (أَعْنِي: أَنَّهُ يَكْفِي فِي ذَلِكَ إِعْلَانُهُ وَإِشْهَادُهُ) ، وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ الْأَبُ عَنْ يَدِهِ إِلَى يَدِ غَيْرِهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إِذَا جَعَلَهَا فِي ظَرْفٍ أَوْ إِنَاءٍ وَخَتَمَ عَلَيْهَا بِخَاتَمٍ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ الشُّهُودَ.

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ الْوَصِيَّ يَقُومُ فِي ذَلِكَ مَقَامَ الْأَبِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْأُمِّ; فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: تَقُومُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَالْجَدَّةُ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ - أُمُّ الْأُمِّ - تَقُومُ مَقَامَ الْأُمِّ، وَالْأُمُّ عِنْدَهُ تَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ.

الْقَوْلُ فِي أَنْوَاعِ الْهِبَاتِ

وَالْهِبَةُ مِنْهَا مَا هِيَ هِبَةُ عَيْنٍ، وَمِنْهَا مَا هِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ. وَهِبَةُ الْعَيْنِ مِنْهَا مَا يُقْصَدُ بِهَا الثَّوَابُ، وَمِنْهَا مَا لَا يُقْصَدُ بِهَا الثَّوَابُ. وَالَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الثَّوَابُ مِنْهَا مَا يُقْصَدُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، وَمِنْهَا مَا يُقْصَدُ بِهِ وَجْهُ الْمَخْلُوقِ.

فَأَمَّا الْهِبَةُ لِغَيْرِ الثَّوَابِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَحْكَامِهَا.

وَأَمَّا هِبَةُ الثَّوَابِ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا، فَأَجَازَهَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ ; وَمَنَعَهَا الشَّافِعِيُّ، وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ هِيَ بَيْعٌ مَجْهُولُ الثَّمَنِ أَوْ لَيْسَ بَيْعًا مَجْهُولَ الثَّمَنِ؟ فَمَنْ رَآهُ بَيْعًا مَجْهُولَ الثَّمَنِ قَالَ هُوَ مِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ الَّتِي لَا تَجُوزُ، وَمَنْ لَمْ يَرَ أَنَّهَا بَيْعٌ مَجْهُولٌ، قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>