عَنْ حَاتِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ» . قَالَ فِيمَا أَحْسَبُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَقِيلٍ: قَدْ قَبِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَدِيثَهُ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ.
وَسَبَبُ الِاتِّفَاقِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] إِلَى قَوْلِهِ {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: ١١] .
وَأَجْمَعُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى أَنَّ بَنِي الْبَنِينَ يَقُومُونَ مَقَامَ الْبَنِينَ عِنْدَ فَقْدِ الْبَنِينَ يَرِثُونَ كَمَا يَرِثُونَ وَيَحْجُبُونَ كَمَا يَحْجُبُونَ، إِلَّا شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: وَلَدُ الِابْنِ لَا يَحْجُبُونَ الزَّوْجَ مِنَ النِّصْفِ إِلَى الرُّبُعِ، كَمَا يَحْجُبُ الْوَلَدُ نَفْسَهُ وَلَا الزَّوْجَةَ مِنَ الرُّبْعِ إِلَى الثُّمُنِ، وَلَا الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِبَنَاتِ الِابْنِ مِيرَاثٌ مَعَ بَنَاتِ الصُّلْبِ إِذَا اسْتَكْمَلَ بَنَاتُ الْمُتَوَفَّى الثُّلُثَيْنِ. وَاخْتَلَفُوا إِذَا كَانَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ذَكَرٌ ابْنُ ابْنٍ فِي مَرْتَبَتِهِنَّ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُنَّ، فَقَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: إِنَّهُ يُعَصِّبُ بَنَاتِ الِابْنِ فِيمَا فَضَلَ عَنْ بَنَاتِ الصُّلْبِ فَيُقَسِّمُونَ الْمَالَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَبِهِ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ أَنَّهُ إِذَا اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ أَنَّ الْبَاقِيَ لِابْنِ الِابْنِ دُونَ بَنَاتِ الِابْنِ كُنَّ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ الذَّكَرِ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ دُونَهُ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي هَذِهِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاصِلُ لِلنِّسَاءِ أَكْثَرَ مِنَ السُّدُسِ فَلَا تُعْطَى إِلَّا السُّدُسَ.
وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] وَأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ وَلَدٌ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ ابْنُ الِابْنِ يُعَصِّبُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ فِي جُمْلَةِ الْمَالِ فَوَاجِبٌ أَنْ يُعَصِّبَ فِي الْفَاضِلِ مِنَ الْمَالِ.
وَعُمْدَةُ دَاوُدَ وَأَبِي ثَوْرٍ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» ، وَمِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَيْضًا أَنَّ بِنْتَ الِابْنِ لَمَّا لَمْ تَرِثْ مُفْرَدَةً مِنَ الْفَاضِلِ عَنِ الثُّلُثَيْنِ كَانَ أَحْرَى أَنْ لَا تَرِثَ مَعَ غَيْرِهَا.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ الْقِيَاسِ وَالنَّظَرِ فِي التَّرْجِيحِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ لَمَّا كُنَّ لَا يَرِثْنَ مَعَ عَدَمِ الِابْنِ أَكْثَرَ مِنَ السُّدُسِ لَمْ يَجِبْ لَهُنَّ مَعَ الْغَيْرِ أَكْثَرُ مِمَّا وَجَبَ لَهُنَّ مَعَ الِانْفِرَادِ، وَهِيَ حُجَّةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ حُجَّةِ دَاوُدَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ذَكَرَ وَلَدِ الِابْنِ يُعَصِّبُهُنَّ كَانَ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَطْرَفَ مِنْهُنَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute