فَقَالَ: أَخْبَرِينِي بِخَبَرِكِ، فَقَالَتْ: كَانَ هَذَا - لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ - يَأْتِي فِي إِبِلٍ لِأَهْلِهَا فَلَا يُفَارِقُهَا حَتَّى يَظُنَّ وَنَظُنُّ أَنَّهُ قَدِ اسْتَمَرَّ بِهَا حَمْلٌ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ دَمًا، ثُمَّ خَلَفَ هَذَا عَلَيْهَا (تَعْنِي: الْآخَرَ) ، فَلَا أَدْرِي أَيُّهُمَا هُوَ، فَكَبَّرَ الْقَائِفُ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْغُلَامِ: وَالِ أَيَّهُمَا شِئْتَ. قَالُوا: فَقَضَاءُ عُمَرَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْقَافَةِ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هُوَ كَالْإِجْمَاعِ.
وَهَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ مَالِكٍ إِذَا قَضَى الْقَافَةُ بِالِاشْتِرَاكِ أَنْ يُؤَخَّرَ الصَّبِيُّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَيُقَالُ لَهُ: وَالِ أَيَّهُمَا شِئْتَ، وَلَا يَلْحَقُ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يَكُونُ ابْنًا لَهُمَا إِذَا زَعَمَ الْقَائِفُ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِيهِ.
وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ يَكُونُ ابْنًا لِلِاثْنَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: ١٣] .
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْقَافَةِ أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ مِحْرِِزٌ الْمُدْلِجِيُّ لِزَيْدٍ وَأُسَامَةَ، وَرَأَى أَقْدَامَهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» ، قَالُوا: وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ فَقَالُوا: الْأَصْلُ أَنْ لَا يُحْكَمَ لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي الْوَلَدِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ فِرَاشٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» فَإِذَا عُدِمَ الْفِرَاشُ أَوِ اشْتَرَكَا لِلْفِرَاشِ كَانَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا، وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ بُنُوَّةً شَرْعِيَّةً لَا طَبِيعِيَّةً ; فَإِنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ابْنَ وَاحِدٍ عَنْ أَبَوَيْنِ بِالْعَقْلِ أَنْ لَا يَجُوزَ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ. وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ عَنْ عُمَرَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْبَلُ فِي الْقَافَةِ إِلَّا رَجُلَانِ. وَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ قَائِفٍ وَاحِدٍ.
وَالْقَافَةُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ مَالِكٍ إِنَّمَا يَقْضِي بِهَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَقَطْ لَا فِي النِّكَاحِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ مُسْنَدٌ أَخَذَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ، رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ الشَّعْبِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: «كَانَ عَلِيٌّ بِالْيَمَنِ فَأَتَى بِامْرَأَةٍ وَطِئَهَا ثَلَاثَةُ أُنَاسٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُقِرَّ لِصَاحِبِهِ بِالْوَلَدِ فَأَبَى، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَقَضَى بِالْوَلَدِ لِلَّذِي أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ وَجَعَلَ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute