للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ: الْوَلَاءُ يَكُونُ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمُشْرِكِ يُسْلِمُ عَلَى يَدِ مُسْلِمٍ؟ فَقَالَ هُوَ أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلَاهُمْ بِحَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ» وَقَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ.

وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣٣] مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ.

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَلَاءِ وَلَا هِبَتُهُ لِثُبُوتِ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ إِلَّا وَلَاءَ السَّائِبَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ إِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ أَنْتِ سَائِبَةٌ.

فَقَالَ مَالِكٌ: وَلَاؤُهُ وَعَقْلُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَعْنَى الْعِتْقِ فَقَطْ، فَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: وَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَدَاوُدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَهُ أَنْ يَجْعَلَ وَلَاءَهُ حَيْثُ شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يُوَالِ أَحَدًا كَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ.

وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ يَقُولَانِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ وَلَاءِ السَّائِبَةِ وَهِبَتِهِ.

وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ هِيَ الْحُجَجُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ بَيْعَهُ فَلَا أَعْرِفُ لَهُ حُجَّةً فِي هَذَا الْوَقْتِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَلَاءِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إِذَا أَعْتَقَهُ النَّصْرَانِيُّ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ لِمَنْ يَكُونُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَسْلَمَ مَوْلَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ وَلَاؤُهُ وَلَا مِيرَاثُهُ.

وَقَالَ الْجُمْهُورُ: وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ كَانَ لَهُ مِيرَاثُهُ.

وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، وَأَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ الْأَبُ بَعْدَ إِسْلَامِ الِابْنِ أَنَّهُ يَرِثُهُ، فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ.

وَأَمَّا عُمْدَةُ مَالِكٍ فَعُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] فَهُوَ يَقُولُ: إِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ لَهُ الْوَلَاءُ يَوْمَ الْعِتْقِ لَمْ يَجِبْ لَهُ فِيمَا بَعْدُ.

وَأَمَّا إِذَا وَجَبَ لَهُ يَوْمَ الْعِتْقِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِهِ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ إِذَا ارْتَفَعَ ذَلِكَ الْمَانِعُ أَنَّهُ يَعُودُ الْوَلَاءُ لَهُ.

وَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ الذِّمِّيُّ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ أَنَّ الْوَلَاءَ يَرْتَفِعُ، فَإِنْ أَسْلَمَ الْمَوْلَى عَادَ إِلَيْهِ. وَإِنْ كَانُوا اخْتَلَفُوا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>