للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِ الْبَاقِي إِنْ كَانَ مُوسِرًا إِلَّا إِذَا مَلَكَهُ بِوَجْهٍ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَهُ بِمِيرَاثٍ، فَقَالَ قَوْمٌ: يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي حَالِ الْيُسْرِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: فِي حَالِ الْيُسْرِ بِالسِّعَايَةِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا.

وَإِذَا مَلَكَ السَّيِّدُ جَمِيعَ الْعَبْدِ فَأَعْتَقَ بَعْضَهَ، فَجُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُونَ: يُعْتَقُ عَلَيْهِ كُلُّهُ، وَقَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ: يُعْتَقُ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ الَّذِي عُتِقَ وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي الْبَاقِي، وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَحَمَّادٍ.

وَعُمْدَةُ اسْتِدْلَالِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَتِ السُّنَّةُ فِي إِعْتَاقِ نَصِيبِ الْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ لِحُرْمَةِ الْعِتْقِ كَانَ أَحْرَى أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ.

وَعُمْدَةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِتْقِ عَلَى الْمُبَعِّضِ لِلْعِتْقِ هُوَ الضَّرَرُ الدَّاخِلُ عَلَى شَرِيكِهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِلْكًا لَهُ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ ضَرَرٌ.

فَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى هَلْ عِلَّةُ هَذَا الْحُكْمِ حُرْمَةُ الْعِتْقِ، (أَعْنِي: أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِيهِ تَبْعِيضٌ) ، أَوْ مَضَرَّةُ الشَّرِيكِ؟

وَاحْتَجَّتِ الْحَنَفِيَّةُ بِمَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ، فَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِتْقَهُ.

وَمِنْ عُمْدَةِ الْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَتَمَّمَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِتْقَهُ، وَقَالَ: " لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ» ، وَعَلَى هَذَا فَقَدَ نَصَّ عَلَى الْعِلَّةِ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا الْجُمْهُورُ، وَصَارَتْ عِلَّتُهُمْ أَوْلَى ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا أَوْلَى مِنَ الْمُسْتَنْبَطَةِ.

فَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ وَتَعَارُضُ الْقِيَاسِ.

وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ الَّذِي يَكُونُ بِالْمُثْلَةِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ: مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ: مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ أَعْتَقَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُعْتِقُ عَلَيْهِ، وَشَذَّ الْأَوْزَاعِيُّ فَقَالَ: مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِ غَيْرِهِ أَعْتَقَ عَلَيْهِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يُضَمَّنُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ.

فَمَالِكٌ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ اعْتَمَدَ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ زِنْبَاعًا وَجَدَ غُلَامًا لَهُ مَعَ جَارِيَةٍ، فَقَطَعَ ذَكَرَهُ وَجَدَعَ أَنْفَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>