للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْضَهُمْ رَأَى أَنَّ السَّادَةَ هُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَرَأَى أَنَّهُمْ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ نُدِبُوا لِعَوْنِ الْمُكَاتَبِينَ.

وَالَّذِينَ رَأَوْا ذَلِكَ اخْتَلَفُوا هَلْ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ؟ وَالَّذِينَ قَالُوا بِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ، وَبَعْضُهُمْ حَدَّهُ.

وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَفِيهِ مَسَائِلُ:

إِحْدَاهَا: هَلْ تَجُوزُ كِتَابَةُ الْمُرَاهِقِ؟ وَهَلْ يُجْمَعُ فِي الْكِتَابَةِ الْوَاحِدَةِ أَكْثَرُ مَنْ عَبْدٍ وَاحِدٍ؟ وَهَلْ تَجُوزُ كِتَابَةُ مَنْ يَمْلِكُ فِي الْعَبْدِ بَعْضَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ شَرِيكِهِ؟ وَهَلْ تَجُوزُ كِتَابَةُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى السَّعْيِ؟ وَهَلْ تَجُوزُ كِتَابَةُ مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ؟

فَأَمَّا كِتَابَةُ الْمُرَاهِقِ الْقَوِيِّ عَلَى السَّعْيِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ، فَأَجَازَهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنَعَهَا الشَّافِعِيُّ إِلَّا لِلْبَالِغِ، وَعَنْ مَالِكٍ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا.

فَعُمْدَةُ مَنِ اشْتَرَطَ الْبُلُوغَ تَشْبِيهُهَا بِسَائِرِ الْعُقُودِ. وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْقُوَّةُ عَلَى السَّعْيِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ الْبَالِغِ.

وَأَمَّا هَلْ يُجْمَعُ فِي الْكِتَابَةِ الْوَاحِدَةِ أَكْثَرُ مَنْ عَبْدٍ وَاحِدٍ؟ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ إِذَا قُلْنَا بِالْجَمْعِ فَهَلْ يَكُونُ بَعْضُهُمْ حُمَلَاءَ عَنْ بَعْضٍ بِنَفْسِ الْكِتَابَةِ حَتَّى لَا يُعْتَقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلَّا بِعِتْقِ جَمِيعِهِمْ؟ فِيهِ أَيْضًا خِلَافٌ.

فَأَمَّا هَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ؟ فَإِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَمَنَعَهُ قَوْمٌ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.

وَأَمَّا هَلْ يَكُونُ بَعْضُهُمْ حُمَلَاءَ عَنْ بَعْضٍ؟ فَإِنَّ فِيهِ لِمَنْ أَجَازَ الْجَمْعَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ذَلِكَ وَاجِبٌ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، أَعْنِي حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَبِهِ قَالَ: مَالِكٌ وَسُفْيَانُ.

وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَيَلْزَمُ بِالشَّرْطِ، وَبِهِ قَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَا بِالشَّرْطِ وَلَا بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، وَيُعْتَقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِذَا أَدَّى قَدْرَ حِصَّتِهِ.

فَعُمْدَةُ مَنْ مَنَعَ الشَّرِكَةِ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْغَرَرِ ; لِأَنَّ قَدْرَ مَا يَلْزَمُ وَاحِدًا وَاحِدًا مِنْ ذَلِكَ مَجْهُولٌ.

وَعُمْدَةُ مَنْ أَجَازَهُ أَنَّ الْغَرَرَ الْيَسِيرَ يُسْتَخَفُّ فِي الْكِتَابَةِ ; لِأَنَّهُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ، وَالْعَبْدُ وَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ.

وَأَمَّا مَالِكٌ فَحُجَّتُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْكِتَابَةُ وَاحِدَةً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمْ كَحُكْمِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ.

وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمَالَةِ الْأَجْنَبِيِّينَ، فَمَنْ رَأَى أَنَّ حَمَالَةَ الْأَجْنَبِيِّينَ فِي الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ قَالَ: لَا تَجُوزُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَإِنَّمَا مَنَعُوا حَمَالَةَ الْكِتَابَةِ ; لِأَنَّهُ إِذَا عَجَزَ الْمُكَاتِبُ لَمْ يَكُنْ لِلْحَمِيلِ شَيْءٌ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَهَذَا كَأَنَّهُ لَيْسَ يَظْهَرُ فِي حَمَالَةِ الْعَبِيدِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ هُوَ سَبَبٌ لِأَنْ يُعْجِزَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى السَّعْيِ بِعَجْزِ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَهُوَ غَرَرٌ خَاصٌّ بِالْكِتَابَةِ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ أَيْضًا: إِنَّ الْجَمْعَ يَكُونُ سَبَبًا

<<  <  ج: ص:  >  >>