التَّعْجِيزَ وَيَأْبَاهُ الْعَبْدُ، أَوْ بِالْعَكْسِ (أَعْنِي: أَنَّهُ يُرِيدَ بِهِ السَّيِّدُ الْبَقَاءَ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَيُرِيدُ الْعَبْدُ التَّعْجِيزَ) .
فَأَمَّا إِذَا اتَّفَقَا عَلَى التَّعْجِيزِ فَلَا يَخْلُو الْأَمْرُ مِنْ قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ وَلَدٌ أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ وَلَدٌ فِي الْكِتَابَةِ فَلَا خِلَافَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْجِيزُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ.
فَأَمَّا إِنْ طَلَبَ الْعَبْدُ التَّعْجِيزَ وَأَبَى السَّيِّدُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ إِنْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ أَوْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى السَّعْيِ.
وَأَمَّا إِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ التَّعْجِيزَ وَأَبَاهُ الْعَبْدُ ; فَإِنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ عِنْدَهُ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُثْبِتَ السَّيِّدُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ عَلَى الْأَدَاءِ.
وَيَرْجِعُ إِلَى عُمْدَةِ أَدِلَّتِهِمْ فِي أَصْلِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَعُمْدَةُ الشَّافِعِيِّ مَا رُوِيَ أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ إِلَى عَائِشَةَ تَقُولُ لَهَا: " إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَشْتَرِينِي وَتُعْتِقِينِي فَقَالَتْ لَهَا: إِنْ أَرَادَ أَهْلُكِ، فَجَاءَتْ أَهْلَهَا فَبَاعُوهَا وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ " خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعُمْدَةُ الْمَالِكِيَّةِ تَشْبِيهُهُمُ الْكِتَابَةَ بِالْعُقُودِ اللَّازِمَةِ ; وَلِأَنَّ حُكْمَ الْعَبْدِ فِي هَذَا الْمَعْنَى يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَحُكْمِ السَّيِّدِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعُقُودَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يَكُونَ اللُّزُومُ فِيهَا أَوِ الْخِيَارُ مُسْتَوِيًا فِي الطَّرَفَيْنِ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ لَازِمًا مِنْ طَرَفٍ وَغَيْرَ لَازِمٍ مِنَ الطَّرَفِ الثَّانِي فَخَارِجٌ عَنِ الْأُصُولِ، وَعَلَّلُوا حَدِيثَ بَرِيرَةَ بِأَنَّ الَّذِي بَاعَ أَهْلُهَا كَانَتْ كِتَابَتَهَا لَا رَقَبَتَهَا.
وَالْحَنَفِيَّةُ تَقُولُ: لَمَّا كَانَ الْمُغَلَّبُ فِي الْكِتَابَةِ حَقَّ الْعَبْدِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ لَازِمًا فِي حَقِّ الْآخَرِ الْمُغَلَّبِ عَلَيْهِ وَهُوَ السَّيِّدُ أَصْلُهُ النِّكَاحُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِمَكَانِ الطَّلَاقِ الَّذِي بِيَدِهِ وَهُوَ لَازِمٌ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ، وَالْمَالِكِيَّةُ تَعْتَرِضُ هَذَا بِأَنْ تَقُولَ إِنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ فِيمَا وَقَعَ بِهِ الْعِوَضُ، إِذْ كَانَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَ الصَّدَاقَ.
الْجِنْسُ الثَّالِثُ وَأَمَّا حُكْمُهُ إِذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْكِتَابَةَ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ دُونَ وَلَدٍ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ مِنَ الْكِتَابَةِ شَيْئًا أَنَّهُ يَرِقُّ. وَاخْتَلَفُوا إِذَا مَاتَ عَنْ وَلَدٍ، فَقَالَ مَالِكٌ: حُكْمُ وَلَدِهِ كَحُكْمِهِ، فَإِنْ تَرَكَ مَالًا فِيهِ وَفَاءٌ لِلْكِتَابَةِ أَدَّوْهُ وَعَتَقُوا، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا وَكَانَتْ لَهُمْ قدرَةٌ عَلَى السَّعْيِ بَقُوا عَلَى نُجُومِ أَبِيهِمْ حَتَّى يَعْجِزُوا أَوْ يُعْتَقُوا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ لَا مَالٌ وَلَا قُدْرَةٌ عَلَى السَّعْيِ رَقُّوا، وَأَنَّهُ إِنْ فَضَلَ عَنِ الْكِتَابَةِ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ وَرِثُوهُ عَلَى حُكْمِ مِيرَاثِ الْأَحْرَارِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ يَرِثُهُ إِلَّا وَلَدُهُ الَّذِينَ هُمْ فِي الْكِتَابَةِ مَعَهُ دُونَ سِوَاهُمْ مِنْ وَارِثِيهِ إِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْوَلَدِ الَّذِي مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute