وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْكَفَّارَةَ الَّتِي نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهَا فِي قَتْلِ الْحُرِّ خَطَأً وَاجِبَةٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَتْلِ الْعَمْدِ هَلْ فِيهِ كَفَّارَةٌ؟ وَفِي قَتْلِ الْعَبْدِ خَطَأً، فَأَوْجَبَهَا مَالِكٌ فِي قَتْلِ الْحُرِّ فَقَطْ فِي الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ، وَأَوْجَبَهَا الشَّافِعِيُّ فِي الْعَمْدِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الْعَمْدَ فِي هَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْخَطَأِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَغْلِيظِ الدِّيَةِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَفِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا تُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِيهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُغَلَّظُ فِيهِمَا فِي النَّفْسِ وَفِي الْجِرَاحِ. وَرُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَابْنِ شِهَابٍ وَغَيْرِهِمْ - أَنَّهُ يُزَادُ فِيهَا مِثْلُ ثُلُثِهَا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَنْ قَتَلَ ذَا رَحِمٍ مُحَرَّمٍ.
وَعُمْدَةُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ عُمُومُ الظَّاهِرِ فِي تَوْقِيتِ الدِّيَاتِ، فَمَنِ ادَّعَى فِي ذَلِكَ تَخْصِيصًا فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تُغَلَّظُ الْكَفَّارَةُ فِيمَنْ قُتِلَ فِيهِمَا. وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ.
وَإِذَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ شَيْءٌ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّوْقِيفِ، وَوَجْهُ مُخَالَفَتِهِ لِلْقِيَاسَ أَنَّ التَّغْلِيظَ فِيمَا وَقَعَ خَطَأً بَعِيدٌ عَنْ أُصُولِ الشَّرْعِ. وَلِلْفَرِيقِ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُ قَدْ يَنْقَدِحُ فِي ذَلِكَ قِيَاسٌ؛ لِمَا ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ مِنْ تَعْظِيمِ الْحَرَمِ وَاخْتِصَاصِهِ بِضَمَانِ الصُّيُودِ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute