عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كَمْ فِي أَرْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِهَا؟ قَالَ: عِشْرُونَ. قُلْتُ: حِينَ عَظُمَ جُرْحُهَا وَاشْتَدَّتْ بَلِيَّتُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا!؟ قَالَ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ قُلْتُ: بَلْ عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ، أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ. قَالَ: هِيَ السُّنَّةُ» .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ مُرْسَلِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ وَعِكْرِمَةَ. وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ إِذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ الْقَوْلَ بِهِ إِلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، لَكِنَّ فِي هَذَا ضَعْفٌ؛ إِذْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَتْرُكَ الْقَوْلَ بِهِ إِمَّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْقِيَاسَ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ عَارَضَهُ فِي ذَلِكَ قِيَاسٌ ثَانٍ، أَوْ قَلَّدَ فِي ذَلِكَ غَيْرَهُ.
فَهَذِهِ حَالُ دِيَاتِ جِرَاحِ الْأَحْرَارِ وَالْجِنَايَاتِ عَلَى أَعْضَائِهَا الذُّكُورِ مِنْهَا وَالْإِنَاثِ.
وَأَمَّا جِرَاحُ الْعَبِيدِ وَقَطْعُ أَعْضَائِهِمْ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ: فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ فِي جِرَاحِهِمْ وَقَطْعِ أَعْضَائِهِمْ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذَلِكَ مِنْ قِيمَتِهِ قَدْرُ مَا فِي ذَلِكَ الْجُرْحِ مِنْ دِيَتِهِ، فَيَكُونُ فِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَفِي عَيْنِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ إِلَّا مُوضِحَتَهُ وَمُنَقِّلَتَهُ وَمَأْمُومَتَهُ، فَفِيهَا مِنْ ثَمَنِهِ قَدْرُ مَا فِيهَا فِي الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ.
وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ تَشْبِيهُهُ بِالْعُرُوضِ، وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي تَشْبِيهُهُ بِالْحُرِّ؛ إِذْ هُوَ مُسْلِمٌ وَمُكَلَّفٌ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ مِنْ هَذِهِ إِذَا جَاوَزَتِ الثُّلُثَ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ مَالِكٌ وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةُ وَجَمَاعَةٌ: إِنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الثُّلُثَ فَمَا زَادَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَحْمِلُ مِنْ ذَلِكَ الْعُشْرَ فَمَا فَوْقَهُ مِنَ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ. قَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ: الْمُوضِحَةُ فَمَا زَادَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ.
وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيِّ هِيَ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ هِيَ الَّتِي تَحْمِلُ دِيَةَ الْخَطَأِ، فَمَنْ خَصَّصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ. وَلَا عُمْدَةَ لِلْفَرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ مَعْمُولٌ بِهِ وَمَشْهُورٌ.
وَهُنَا انْقَضَى هَذَا الْكِتَابُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَقَّ حَمْدِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute