وَهُوَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ مِمَّنْ رَأَى حَبْسَهُ وَتَعْزِيرَهُ حَتَّى يُصَلِّيَ.
وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُ الْآثَارِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ، أَوْ زِنًى بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» .
وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» وَحَدِيثِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ قَالَ الشِّرْكِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ» .
فَمَنْ فَهِمَ مِنَ الْكُفْرِ هَاهُنَا الْكُفْرَ الْحَقِيقِيَّ جَعَلَ هَذَا الْحَدِيثَ كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُفْرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ» وَمِنْ فَهِمَ هَاهُنَا التَّغْلِيظَ وَالتَّوْبِيخَ أَيْ أَنَّ أَفْعَالَهُ أَفْعَالُ كَافِرٍ، وَأَنَّهُ فِي صُورَةِ كَافِرٍ كَمَا قَالَ: «وَلَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» لَمْ يَرَ قَتْلَهُ كُفْرًا.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ يُقْتَلُ حَدًّا فَضَعِيفٌ، وَلَا مُسْتَنَدَ لَهُ إِلَّا قِيَاسٌ شِبْهُ ضَعِيفٍ إِنْ أَمْكَنَ، وَهُوَ تَشْبِيهُ الصَّلَاةِ بِالْقَتْلِ فِي كَوْنِ الصَّلَاةِ رَأَسَ الْمَأْمُورَاتِ، وَالْقَتْلُ رَأْسَ الْمَنْهِيَّاتِ.
وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَاسْمُ الْكُفْرِ إِنَّمَا يُطْلَقُ بِالْحَقِيقَةِ عَلَى التَّكْذِيبِ، وَتَارِكُ الصَّلَاةِ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُكَذِّبٍ إِلَّا أَنْ يَتْرُكَهَا مُعْتَقِدًا لِتَرْكِهَا هَكَذَا، فَنَحْنُ إِذَنْ بَيْنَ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ نَفْهَمَ مِنَ الْحَدِيثِ الْكُفْرَ الْحَقِيقِيَّ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَأَوَّلَ أَنَّهُ أَرَادَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُعْتَقِدًا لِتَرْكِهَا فَقَدْ كَفَرَ.
وَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْكُفْرِ عَلَى غَيْرِ مَوْضُوعِهِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: إِمَّا عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْكَافِرِ أَعْنِي فِي الْقَتْلِ وَسَائِرِ أَحْكَامِ الْكُفَّارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَذِّبًا، وَإِمَّا عَلَى أَنَّ أَفْعَالَهُ أَفْعَالُ كَافِرٍ عَلَى جِهَةِ التَّغْلِيظِ وَالرَّدْعِ لَهُ أَيْ أَنَّ فَاعِلَ هَذَا يُشْبِهُ الْكَافِرَ فِي الْأَفْعَالِ، إِذْ كَانَ الْكَافِرُ لَا يُصَلِّي كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْكَافِرِ فِي أَحْكَامِهِ لَا يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ ;
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute