ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ» ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ طَرِيقٍ أَثْبَتَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَأَمَّا مَنْ يُقِيمُ هَذَا الْحَدَّ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يُقِيمُهُ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي سَائِرِ الْحُدُودِ. وَاخْتَلَفُوا فِي إِقَامَةِ السَّادَاتِ الْحُدُودَ عَلَى عَبِيدِهِمْ، فَقَالَ مَالِكٌ: يُقِيمُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ حَدَّ الزِّنَى وَحَدَّ الْقَذْفِ إِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ الشُّهُودُ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِعِلْمِ نَفْسِهِ. وَلَا يَقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ إِلَّا الْإِمَامُ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقِيمُ الْحُدُودَ عَلَى الْعَبِيدِ إِلَّا الْإِمَامُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقِيمُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ جَمِيعَ الْحُدُودِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ.
فَعُمْدَةُ مَالِكٍ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنِ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ، فَقَالَ: إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا» .
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَاعْتَمَدَ مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» ، وَلِأَنَّهُ أَيْضًا مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ، مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَنَسٌ.
وَعُمْدَةُ أَبِي حَنِيفَةَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ هُوَ السُّلْطَانُ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْجُمُعَةُ وَالزَّكَاةُ وَالْفَيْءُ وَالْحُكْمُ إِلَى السُّلْطَانِ.
فَصْلٌ: وَأَمَّا بِمَاذَا يَثْبُتُ هَذَا الْحَدُّ، فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ وَبِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ. وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِهِ بِالرَّائِحَةِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحِجَازِ: يَجِبُ الْحَدُّ بِالرَّائِحَةِ إِذَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ. وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَجُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْبَصْرَةِ فَقَالُوا: لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ بِالرَّائِحَةِ.
فَعُمْدَةُ مَنْ أَجَازَ الشَّهَادَةَ عَلَى الرَّائِحَةِ تَشْبِيهُهَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الصَّوْتِ وَالْخَطِّ، وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُثْبِتْهَا اشْتِبَاهُ الرَّوَائِحِ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبَهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute