الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: ١٠٣]
اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْقَاتًا خَمْسًا هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّ مِنْهَا أَوْقَاتَ فَضِيلَةٍ وَأَوْقَاتَ تَوْسِعَةٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي حُدُودِ أَوْقَاتِ التَّوْسِعَةِ وَالْفَضِيلَةِ، وَفِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ الَّذِي لَا تَجُوزُ قَبْلَهُ هُوَ الزَّوَالُ، إِلَّا خِلَافًا شَاذًّا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِلَّا مَا رُوِيَ مِنَ الْخِلَافِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي
وَاخْتَلَفُوا مِنْهَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا الْمُوَسَّعِ وَفِي وَقْتِهَا الْمُرَغَّبِ فِيهِ.
فَأَمَّا آخِرُ وَقْتِهَا الْمُوَسَّعِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ هُوَ أَنْ يَكُونَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: آخِرُ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَهُوَ عِنْدَهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ هُوَ الْمِثْلُ، وَأَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ الْمِثْلَانِ، وَأَنَّ مَا بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْمِثْلَيْنِ لَيْسَ يَصْلُحُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَبِهِ قَالَ صَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي إِمَامَةِ جِبْرِيلَ «أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: " الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» وَرُوِيَ عَنْهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ الْإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِينَا الْقُرْآنَ فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَيْ رَبَّنَا أَعْطَيْتَ هَؤُلَاءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ»
فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى حَدِيثِ إِمَامَةِ جِبْرِيلَ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى مَفْهُومِ ظَاهِرِ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute