فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» . وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رُوِيَ هَكَذَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ. وَعُمْدَتُهُ أَيْضًا فِي مَنْعِ الْقَطْعِ فِيمَا أَصْلُهُ مُبَاحٌ الشُّبْهَةُ الَّتِي فِيهِ لِكُلِّ مَالِكٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَسْرُوقِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلسَّارِقِ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا هُوَ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ مِمَّا لَيْسَ بِشُبْهَةٍ، وَهَذَا هُوَ أَيْضًا أَحَدُ الشُّرُوطِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْمَسْرُوقِ هُوَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي جِنْسِهِ، وَقَدْرِهِ، وَشُرُوطِهِ. وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيمَا بَعْدُ.
وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ - أَعْنِي: مِنَ النَّظَرِ فِي جِنْسِ الْمَسْرُوقِ - فِي الْمُصْحَفِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ سَارِقُهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْطَعُ. وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. أَوْ أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ فِيهِ حَقًّا؛ إِذْ لَيْسَ بِمَالٍ.
وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِيمَنْ سَرَقَ صَغِيرًا مَمْلُوكًا أَعْجَمِيًّا مِمَّنْ لَا يَفْقَهُ وَلَا يَعْقِلُ الْكَلَامَ؛ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: يُقْطَعُ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ كَبِيرًا يَفْقَهُ فَقَالَ مَالِكٌ: يُقْطَعُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْطَعُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْحُرِّ الصَّغِيرِ، فَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ سَارِقَهُ يُقْطَعُ، وَلَا يُقْطَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَاتَّفَقُوا كَمَا قُلْنَا أَنَّ شُبْهَةَ الْمِلْكِ الْقَوِيَّةَ تَدْرَأُ هَذَا الْحَدَّ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا هُوَ شُبْهَةٌ يَدْرَأُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَدْرَأُ مِنْهَا. فَمِنْهَا الْعَبْدُ يَسْرِقُ مَالَ سَيِّدِهِ، فَإِنَّ الْجُمْهُورَ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يُقْطَعُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ شَرْطًا. وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: يُقْطَعُ إِلَّا أَنْ يَأْتَمِنَهُ سَيِّدُهُ. وَاشْتَرَطَ مَالِكٌ فِي الْخَادِمِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُدْرَأَ عَنْهُ الْحَدُّ أَنْ يَكُونَ يَلِي الْخِدْمَةَ لِسَيِّدِهِ بِنَفْسِهِ. وَالشَّافِعِيُّ مَرَّةً اشْتَرَطَ هَذَا، وَمَرَّةً لَمْ يَشْتَرِطْهُ. وَبِدَرْءِ الْحَدِّ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَمِنْهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ يَسْرِقُ مِنْ مَالِ الْآخَرِ، فَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَنْفَرِدُ بِبَيْتٍ فِيهِ مَتَاعُهُ فَالْقَطْعُ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا قَطْعَ عَلَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ؛ لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَاطِ، وَشُبْهَةِ الْمَالِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ.
وَمِنْهَا الْقَرَابَاتُ، فَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِيهَا أَنْ لَا يُقْطَعَ الْأَبُ فِيمَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الِابْنِ فَقَطْ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ، وَيُقْطَعُ مَا سِوَاهُمْ مِنَ الْقَرَابَاتِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْطَعُ عَمُودُ النَّسَبِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ، يَعْنِي: الْأَبَ وَالْأَجْدَادَ وَالْأَبْنَاءَ وَأَبْنَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute