يُسْتَتَابُ؛ فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ. وَقِيلَ: يُسْتَتَابُ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ يُؤَدَّبُ وَلَا يُقْتَلُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْبِدَعِ إِنَّمَا يَكْفُرُونَ بِالْمَآلِ.
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ، وَمَعْنَى التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ أَنَّهُمْ لَا يُصَرِّحُونَ بِقَوْلٍ هُوَ كُفْرٌ، وَلَكِنْ يُصَرِّحُونَ بِأَقْوَالٍ يَلْزَمُ عَنْهَا الْكُفْرُ، وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ اللُّزُومَ.
وَأَمَّا مَا يَلْزَمُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْحُقُوقِ إِذَا ظُفِرَ بِهِمْ فَحُكْمُهُمْ إِذَا تَابُوا أَنْ لَا يُقَامَ عَلَيْهِمْ حَدُّ الْحِرَابَةِ، وَلَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ مَا أَخَذُوا مِنَ الْمَالِ إِلَّا أَنْ يُوجَدَ بِيَدِهِ فَيُرَدَّ إِلَى رَبِّهِ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يُقْتَلُ قِصَاصًا بِمَنْ قَتَلَ؟ فَقِيلَ: يُقْتَلُ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَأَصْبَغَ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ: لَا يُقْتَلُ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَاتَلَ عَلَى التَّأْوِيلِ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ بَتَّةً. أَصْلُهُ قِتَالُ الصَّحَابَةِ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ بِالْحَقِيقَةِ هُوَ الْمُكَذِّبُ لَا الْمُتَأَوِّلُ.
بَابٌ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّ
وَالْمُرْتَدُّ إِذَا ظُفِرَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُحَارِبَ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ الرَّجُلُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» . وَاخْتَلَفُوا فِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ، وَهَلْ تُسْتَتَابُ قَبْلَ أَنْ تُقْتَلَ؟ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُقْتَلُ، وَشَبَّهَهَا بِالْكَافِرَةِ الْأَصْلِيَّةِ. وَالْجُمْهُورُ اعْتَمَدُوا الْعُمُومَ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ، وَشَذَّ قَوْمٌ، فَقَالُوا: تُقْتَلُ وَإِنْ رَاجَعَتِ الْإِسْلَامَ.
وَأَمَّا الِاسْتِتَابَةُ فَإِنَّ مَالِكًا شَرَطَ فِي قَتْلِهِ ذَلِكَ عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ.
وَأَمَّا إِذَا حَارَبَ الْمُرْتَدُّ، ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِ - فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِالْحِرَابَةِ، وَلَا يُسْتَتَابُ، كَانَتْ حِرَابَتُهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَ أَنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ.
وَأَمَّا إِذَا أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ الْمُحَارِبُ بَعْدَ أَنْ أُخِذَ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ - فَإِنَّهُ يُخْتَلَفُ فِي حُكْمِهِ؛ فَإِنْ كَانَتْ حِرَابَتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ كَالْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ لَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا فَعَلَ فِي حَالِ ارْتِدَادِهِ. وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ حِرَابَتُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ إِسْلَامُهُ عَنْهُ حُكْمَ الْحِرَابَةِ خَاصَّةً، وَحُكْمُهُ فِيمَا جَنَى حُكْمُ الْمُرْتَدِّ إِذَا جَنَى فِي رِدَّتِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِيهِ، فَقَالَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ مَنِ اعْتَبَرَ يَوْمَ الْجِنَايَةِ، وَقَالَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ مَنِ اعْتَبَرَ يَوْمَ الْحُكْمِ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي حُكْمِ السَّاحِرِ، فَقَالَ مَالِكٌ: يُقْتَلُ كُفْرًا، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُقْتَلُ. وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يُقْتَلَ إِلَّا مَعَ الْكُفْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute