بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْأَمْوَالِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: لَا يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي شَيْءٍ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذَا الْبَابِ تَعَارُضُ السَّمَاعِ، أَمَّا الْقَائِلُونَ بِهِ فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِآثَارٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ، إِلَّا أَنَّ الَّذِي خَرَّجَ مُسْلِمٌ مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَفْظُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّمَا اعْتَمَدَ مُرْسَلَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ عِنْدَهُ بِالْمَرَاسِيلِ وَاجِبٌ.
وَأَمَّا السَّمَاعُ الْمُخَالِفُ لَهَا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] . قَالُوا: وَهَذَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ نَسْخٌ، وَلَا يُنْسَخُ الْقُرْآنُ بِالسُّنَّةِ الْغَيْرِ مُتَوَاتِرَةٍ، وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ بَلْ زِيَادَةٌ لَا تُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَزِيدِ.
وَأَمَّا السُّنَّةِ فَمَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: «كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي شَيْءٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ: " شَاهِدَاكَ، أَوْ يَمِينُهُ! فَقُلْتُ: إِذَنْ يَحْلِفُ، وَلَا يُبَالِي! فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» قَالُوا: فَهَذَا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَصْرٌ لِلْحُكْمِ وَنَقْضٌ لِحُجَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَّا يَسْتَوْفِيَ أَقْسَامَ الْحُجَّةِ لِلْمُدَّعِي.
وَالَّذِينَ قَالُوا بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ هُمْ عَلَى أَصْلِهِمْ فِي أَنَّ الْيَمِينَ هِيَ حُجَّةُ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ شُبْهَةً، وَقَدْ قَوِيَتْ هُنَا حُجَّةُ الْمُدَّعِي بِالشَّاهِدِ كَمَا قَوِيَتْ فِي الْقَسَامَةِ. وَهَؤُلَاءِ اخْتَلَفُوا فِي الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute