وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُدُ فَآخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ عِنْدَهُمْ هُوَ الْآنُ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ هُوَ زَمَانٌ غَيْرُ مُنْقَسِمٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا قُلْنَا أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ سَبَبُ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا سَبَبُ اخْتِلَافِ مَالِكٍ مَعَ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ، فَمُعَارَضَةُ حَدِيثِ جِبْرِيلَ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ فِي إِمَامَةِ جِبْرِيلَ أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرْ وَقْتُ الْعَصْرِ» خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ.
فَمَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ جِبْرِيلَ جَعَلَ الْوَقْتَ مُشْتَرَكًا، وَمَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكًا، وَحَدِيثُ جِبْرِيلَ أَمْكَنَ أَنْ يُصْرَفَ إِلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى حَدِيثِ جِبْرِيلَ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي تَجَوَّزَ فِي ذَلِكَ لِقُرْبِ مَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، وَحَدِيثُ إِمَامَةِ جِبْرِيلَ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ.
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ: فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
وَالثَّانِيَةُ أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: آخِرُ وَقْتِهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِرَكْعَةٍ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ أَنَّ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ مُتَعَارِضَةِ الظَّاهِرِ أَحَدُهَا: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ: «فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: «وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» . وَالثَّانِي: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي إِمَامَةِ جِبْرِيلَ، وَفِيهِ «أَنَّهُ صَلَّى بِهِ الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ» .
وَالثَّالِثُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَشْهُورُ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ» فَمَنْ صَارَ إِلَى تَرْجِيحِ حَدِيثِ إِمَامَةِ جِبْرِيلَ جَعَلَ آخِرَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ الْمِثْلَيْنِ. وَمَنْ صَارَ إِلَى