إذا تنازع الخصمان اختلفت مزاعمهما نفياً وإثباتاً، ويحتاج القاضي في فصل
الخصومة إلى مرجح يرجح به، في مبدأ الأمر، زعم أحدهما على زعم الآخر، وإن وجوه الترجيح الأولية كثيرة منها: الأصل والظاهر، وهذا يقتضي التوضيح والبيان لكل منهما:
أولاً: الأصل
الأصل في اللغة: أسفل الشيء، ويطلق في الاصطلاح على معان عدة.
كالراجح، والدليل، وما يقابل الفرع، وبمعنى القاعدة التي تبنى عليها المسائل.
والمراد هنا بالأصل القاعدة المستمرة أو الاستصحاب.
والأصل له أنواع كثيرة، منها: براءة الذمة، وكون اليقين لا يزول بالشك، والأصل بقاء ما كان على ما كان، والأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته، والأصل فيما جهل قدمه وجدته أن يعتبر قديماً إذا كان في ملك خاص، وحادثاً إذا كان في ملك غيره، والأصل في الكلام الحقيقة، والأصل في الصفات العارضة العدم، وفي الصفات الوجودية الوجود، والأصل في البيع أن يكون باتاً قطعياً.
والأصل في العقود - غير الزارعة بعد وجودها - أن تكون صحيحة، فلو
اختلف العاقدان في صحة البيع أو فساده، فالقول لدعي الصحة، أما المزارعة فالقول فيها قبل المزراعة لمدعي الفساد، وبعدها لرب البذر، سواء ادعى الصحة أو الفساد، والبينة لمدعي الصحة.
والأصل في الوكالة والعارية الخصوص، وفي المضاربة والشركة العموم.
والأصل فيما لا يعلم إلا من جهة أحد الخصمين، أو كان أحدهما أدرى من
الآخر، أن يقبل قوله فيه بيمينه، ولذا قبلوا قول المرأة في انقضاء عدتها، والمدة