والعمل باستعمال الناس إنما يكونان حيث لم تعارضهما الحقيقة، وذلك بأن لم يكن بإزائهما حقيقة أصلاً، كمسألة التقاط الثمار الساقطة، المتقدمة تحت قاعدة "استعمال الناس حجة "، أو كان بإزائهما حقيقة، ولكنها كانت موافقة لهما، وأما إذا كانت مصادمة لهما فلا يكونان معتبرين، فنبه العلماء بهذه القاعدة على أن تحكيم العادة والعمل باستعمال الناس لا تقوى الحقيقة اللغوية على معارضتها، بل يعمل بهما دونها، وذلك كمسألة وضع القدم، ومسألة ما لو حلف لا يأكل رأساً، ولا يركب دابة، الواردتين في قاعدة "استعمال الناس حجة".
فظهر بهذا أن المراد بالحقيقة المذكورة في لفظ هذه القاعدة الحقيقة المهجورة، وإلا فإن الحقيقة المستعملة هي المعتبرة عند الإمام أبي حنيفة دون المجاز، وإن كان استعماله أكثر من استعمالها، ورأيه هو الراجح، ولذلك تعتبر هذه القاعدة مكملة لقاعدة
"استعمال الناس حجّة " (م/ ٣٧) .
التطبيقات
١ - حلف لا يأكل من هذه الشجرة، فينصرف إلى ثمرها إن كان لها ثمر، وإلا فلثمنها، صوناً لكلام العاقل عن الإلغاء؛ لأنه يتعذر إرادة المعنى الحقيقي (الدعاس ص ٣٨) .
٢ - لو حلف ألاَّ يضع قدمه في دار فلان، فينصرف إلى الدخول بأي وجه كان، راكباً، أو ماشياً، أو حافياً أو منتعلاً؛ لأنه هو المتعارف لا المعنى الحقيقي، وهو مباشرة القدم، دخل أم لم يدخل؛ لأنه مهجور عرفاً، والعرف قاضٍ على الوضع حتى لو تكلف ووضع قدمه ولم يدخل لا يُعدّ شيئاً، ولا يحنث؛ لأنه لم يتعذر المعنى الحقيقي هنا، لكنه مهجور عرفاً وعادة، فيأخذ حكم المتعذر، وتترك الحقيقة، ويصار إلى العرف والعادة.