فلا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، أي بتغير عرف أهلها وعادتهم، فإذا كان عرفهم وعادتهم يستدعيان حكماً ثم تغيرا إلى عرف وعادة أخرى فإن الحكم يتغير إلى ما يوافق ما انتقل إليه عرفهم وعادتهم.
وإن ذلك مقرر ومسلم وثابت في الشرع، وهو سنة الله سبحانه في تشريعه لعباده، فإنه تعالى حين بدأ خلق الإنسان، وكان الحال ضيقاً لقلة عدد الذرية أباح نكاح الأخت لأخيها، ووسع في أشياء كثيرة، وبقي ذلك إلى أن حصل الاتساع، وكثرت الذرية، فحرم ذلك في زمن بني إسرائيل، وحَرّم عليهم السبت والشحوم ولحوم الإبل وأموراً كثيرة، وكانت توبة الإنسان بقتله، وإزالة النجاسة بقطعها، إلى غير ذلك من التشديدات، ثم لما جاء آخر الزمن، وضعف التحمل، وقلّ الجلد، لطف الله سبحانه بعباده، وخفف عنهم بإحلال تلك المحرمات، ورفع تلك التكليفات
وقبول التوبات، كل ذلك بحسب اختلاف الأحوال والأزمان، سنة الله الجارية في خلقه.
وقيل: تغير الأحكام إحداثها وابتداء سنّها بعد أن لم تكن، كما فعل عمر بن عبد العزيز، فإنه قال: ستحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
وإذا ادُّعي اختلاف الأحوال إلى تغير بعض الأحكام، أو إثبات أحكام، فلا بدَّ أن تكون تلك الأحكام المسنونة بحال تشهد لها قواعد الشرع بالاعتبار، أو تكون بحال إذا لم تشهد لها بالاعتبار لا تشهد عليها بالإبطال، كان تكون من المصالح المرسلة، وهي التي لم يشهد الشرع باعتبارها ولا بإلغائها، ولوحظ فيها جهة منفعة، فإنها يجوز العمل بها، وإن لم يتقدمها نظير في الشرع يشهد باعتبارها، كما وقع لسيدنا الصديق في توليته عهد الخلافة لعمر رضي الله عنهما، وكترك الخلافة شورى بين ستة، وكتدوين الدواوين، وضرب السكة، واتخاذ السجون، وغير ذلك كثير مما دعا إلى سنّه تغير الأحوال والأزمان، ولم يتقدم فيه أمر من الشرع، وليس له