ما يخشى على غيرها من الضياع، وأمر بتركها ترد الماء، وترعى الكلأ حتى يلقاها ربها، فاستثنى الإبل من حكم التقاط الضالة.
فلما كان عهد عثمان بن عفان أمر بالتقاط ضوال الإبل وبيعها، كبقية الضوال، على خلاف ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - واستثناه، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها.
وروى ذلك مالك عن ابن شهاب الزهري؛ لأن عثمان رأى أن الناس قد دبَّ إليهم فساد الأخلاق والذمم، وامتدت أيديهم إلى الحرام، فهذا التدبير أصون لضالة الإبل، وأحفظ لحق صاحبها، خوفاً من أن تنالها يد سارق أو طامع.
فهو بذلك - وإن خالف أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظاهر - إنما هو موافق لمقصوده.
إذ لو بقي العمل على موجب ذلك الأمر بعد فساد الزمان لآل إلى عكس مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - في صيانة الأموال، وكانت نتيجته ضرراً.
(الدعاس ص ٤٦) .
١٢ - ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن كتابة أحاديثه، وقال لأصحابه:
"من كتب عني غير القرآن فليمحه ".
إلا ما ثبت استثناء من كتابة بعض الصحابة.
واستمر الصحابة والتابعون غالباً يتناقلون السنة النبوية حفظاً وشفاهاً لا يكتبونها حتى آخر القرن الهجري عملاً بهذا النهي.
ثم انصرف العلماء في مطلع القرن الثاني إلى تدوين السنة النبوية بأمر الخليفة
العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى؛ لأنهم خافوا ضياعهم بموت حفظتها، ورأوا أن سبب نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كتابتها إنما هو خشية أن تختلط بالقرآن، إذ كان الصحابة يكتبون ما ينزل منه على رقاع، فلما عَمَّ القرآن، وشاع حفظاً وكتابة ولم يبق
هناك خشية في اختلاطه بالحديث النبوي، لم يبق موجب لعدم كتابة السنة، بل أصبحت كتابتها واجبة، لأنها الطريقة الوحيدة لصيانتها من الضياع، والحكم يدور مع علته ثبوتاً وانتفاءً.