لتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها ما أمكن، وأنه يختلف ترجيح المصلحة على المفسدة، أو العكس بحسب الأحوال والوقائع.
وهذه القاعدة تقابل القاعدة الكلية العامة السابقة:
"درء المفاسد مقدم على جلب المصالح "
وقد يكون تقديم الأرجح أكثر قبولاً واتفاقاً مع مقاصد الشريعة، ويكون
ميزان التقدير للمصالح والمفاسد هو الكتاب والسنة والآثار العملية للفحل، فإن تساوت المصالح والمفاسدكان درء المفاسد أولى.
والأدلة على صحة هذه القاعدة كثيرة في القرآن والسنة.
فمن القرآن قوله تعالى:.
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) ، فالخمر والميسر فيهما منافع تحقق بعض المصالح
للناس، وفيهما إثم كبير، وفساد عريض، ولذلك حرمهما الله تعالى لتقديم المفسدة الراجحة على المصلحة المرجوحة.
وقال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦) .
فالقتال فيه قتل الأنفس وإزهاقها، وإتلاف المال، وهذا مفسدة، ولكن فيه خير كثير في نشر الدعوة، والدفاع عن الدِّين والنفس والأرض والعرض، فشرع لأن المصلحة الراجحة مقدمة على المفسدة المرجوحة، ومثل ذلك القتال في المسجد الحرام، والقتال في الشهر الحرام، ففيه
مصلحة راجحة.
ومن السنة أحاديث كثيرة، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"إياكم والجلوس بالطرقات " قالوا: يا رسول الله، ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال: "إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه"
قالوا: وما حقه؟
قال: " غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام.
والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ".
فالجلوس بالطريق فيه أذى ومفسدة، ولكن