تركها أفضل من فعل بعض المأمور به، كما إذا فضل الذكر على الأنثى، والإنسي على الملَك، فالمراد الجنس، لا عموم الأعيان.
وهذه القاعدة محل اختلاف، فيرى آخرون أن درء المفاسد أولى من جلب
المصالح؛ لأن عناية الشارع بالمنهي عنه أعظم من عنايته بالمأمور به، كما سبق في شرح هذه القاعدة.
ويستدل ابن تيمية على صحة القاعدة بأدلة كثيرة بلغت ثلاثين وجهاً، منها:
١ - إن أعظم الحسنات هو الإيمان بالله ورسوله، وأعظم السيئات الكفر.
والإيمان أمر وجودي، ولا يكون الرجل مؤمناً حتى يقر بقلبه بذلك، فينتفي عنه الشك ظاهراً وباطناً، مع وجوب العمل الصالح.
والكفر عدم الإيمان، سواء اعتقد الرجل نقيضه وتكلم به، أو لم يعتقد شيئاً ولم يتكلم، والإيمان مأمور به ولو اقترن به فعل منهي عنه من التكذيب، أو لم يقترن به شيء، فكان جنس فعل المأمور به أعظم من جنس ترك المنهي عنه.
٢ - إن ذنب إبليس ترك المأمور به، وهو السجود، وذنب آدم فعل المنهي عنه، وهو الأكل من الشجرة، فكان ذنب إبليس أكبر وأسبق.
٣ - إن الحسنات التي هي فحل المأمور به، تذهب بعقوبة الذنوب والسيئات التي هي فعل المنهي عنه، وإن فاعل المنهي عنه يذهب إثمه بالتوبة، وهي حسنة مأمور بها، وبالأعمال الصالحة المقاومة، وهي حسنات مأمور بها، وبدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وبشفاعته.
وبدعاء المؤمنين وشفاعتهم، وبالأعمال الصالحة التي تُهدى إليه، وكل ذلك من الحسنات المأمور بها، وما من سيئة هي فعل منهي عنها إلا ولها حسنة تذهبها، هي فعل مأمور به، حتى الكفر، سواء كان وجودياً أو عدمياً، فإن حسنة الإيمان تذهبه،