الأمر الأول - العمل تابع للنية والقصد: وبناء عليها يوزن العمل، وعلى أساسها تكون الديانة والقضاء في الفتوى والحكم، ويكون العمل عبادة أو غير عبادة.
ويكون طاعة أو معصية، ويكون حلالاً أو حراماً، ويكون صحيحاً أو فاسداً، ويكون إيماناً أو كفراً، سواء كان العمل فعلاً أو قولاً.
والأدلة على كون الفعل تابعاً للنية قوله تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا) ، فإذا قصد الرجل بالرجعة الصلاح جازت، وإن قصد بها الضرار لم تجز، ويؤكد ذلك قوله تعالى: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا) .
فالفعل واحد وهو ارتجاع الرجل زوجته التي طلقها، ولكن يختلف الحكم فيه
بحسب النية والقصد، وقوله تعالى: (وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (٥٤) ، فصورة الصلاة والإنفاق واحدة، ولكن
الحكم يختلف بحسب النية والقصد، ومثله قوله - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟
فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ".
فالقتال في كل الحالات واحد، ولكن الجزاء
يختلف باختلاف نية المقاتل وقصده.
والأدلة على كون القول تابعاً للنية والقصد كثيرة، منها حديث ركانة الذي طلق امرأته ألبتة، فأتى النبى - صلى الله عليه وسلم -
فقال له: "ما أردت؟!
قال: واحدة، قال: "آلله!
قال: آلله.
قال: "هو ما أردت ".
فالحكم يختلف باختلاف نية المتلفظ بها أو قصده.
وحلف ركانة الذي تلفظ بكلمة "ألبتة" أنه قصد منها طلقة واحدة، وليس ثلاثة، فردَّ له - صلى الله عليه وسلم - زوجته بناء على هذا القصد والاعتقاد، لا على العبارة التي تلفظ بها.
الأمر الثاني: الأعمال العارية عن القصد لا يتعلق بها تكليف، ولا يترتب عليها ثواب ولا عقاب، ولذلك يسقط التكليف عن النائم والغافل والناسي والمجنون والمغمى عليه والجاهل والمخطئ والمكره، وأدلة ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: