الفائدة الثانية: المذهب القديم
قال الشيخ عبد الهادي نجا الأبياري رحمه الله تعالى بعد ذكر مسائل القديم ما
نصه: "المراد بالقديم ما صنفه الشافعي رضي الله عنه ببغداد، واسمه (كتاب الحُجة) الذي رواه عنه الحسن بن محمد الزعفراني، وقد رجع عنه الشافعي بمصر، وغسل كتبه فيه، وقال:
"لا أجعل في حل من روى عني القول القديم"
قال الإمام في باب الآنية من (النهاية) : "معتقدي أن الأقوال القديمة ليست من مذهب الشافعي حيث كانت، لأنه جزم في الجديد - بخلافها، والمرجوع عنه لا يكون مذهباً للراجع، وهذا يقتضي أن المرجوع عنه في القديم ما جزم بخلافه في الجديد".
وبذلك صرح النووي، وقال:
"أما قديم لم يخالفه في الجديد، أو لم يتعرض لتلك المسألة فيه، فإنه مذهب
الشافعي، واعتقاده، ويعمل به، ويفتى عليه، فإنه قاله، ولم يرجع عنه، وإطلاقهم أن القديم مرجوع عنه، ولا عمل به إنما هو بالنظر إلى الغالب" ذكره العلائي في (قواعده) .
وقال أيضاً: "لا ينبغي لمقلد مذهب الشافعي أن ينسب المذهب القديم إليه، ولا لمن يسأل عن مذهبه أن يفتي به لصحة رجوعه عنه، ومخالفته إياه في الجديد، بل ينظر في ذلك القول، فإن كان موافقاً لقواعد الجديد عمل به، لا لذاته، بل لاقتضاء قواعد الجديد إياه، أو دل عليه حديث صحيح، مع قول الشافعي:
"إذا صح الحديث فهو مذهي "
وقوله أيضاً:
"كل مسألة تكلمت فيها صح الخبر فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
عند أهل النقل بخلاف ما قلت، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي"
وبذا عمل كثير من أصحابنا، فكان من ظفر منهم بحديث، ومذهب الشافعي بخلافه، عمل بالحديث، ولم يتفق ذلك إلا نادراً.
وليس كل فقيه يسوغ له أن يستقل بالعمل بما رآه من الحديث، لأنه قد يكون الشافعي اطلع على هذا الحديث وتركه عمداً على علم منه بصحته، لمانع اطلع عليه، وخفي على غيره، كما قال أبو الوليد موسى بن أبي الجارود، روى عن الشافعي أنه قال:
"إذا صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث، وقلت قولاً بخلافه، فإني راجع عنه، قائل بذلك"